كيف تنظر موسكو وبكين وطهران لبايدن: ناصر قنديل
– ينتقي الروس والصينيّون والإيرانيّون كلماتهم وهم يتحدّثون عن مرحلة أميركيّة جديدة اسمها مرحلة بايدن، فبقدر ما كان دونالد ترامب عبئاً ثقيلاً، لم يكن ترامب مشروعاً لشيء آخر غير دونالد ترامب، يعلو ويهبط بقياس ما يحتاج مشروع الشخص بلا استراتيجية، وبقدر ما يبدو بايدن هادئاً وسلساً وصاحب دعوة لترميم ما دمّره ترامب من موقع بلاده على الساحة الدولية بالعودة للدبلوماسية وتفعيل الاتفاقات التي خرج منها ترامب، فإن بايدن يمثل الاستراتيجية الأميركية العميقة الممتدة منذ الحرب الباردة على خلفية العداء الأيديولوجي والاستراتيجي.
– السؤال الذي يطرحه الخبراء في العواصم الثلاث على كل مَن يحاول فهم طريقة تفكيرهم ونظرتهم لمستقبل العلاقات مع واشنطن في عهد بايدن، هو هل بايدن هو مشروع ترتيب العلاقات الدولية وفقاً لرؤية التعاون وتقاسم الحلول للأزمات، أم هو تغيير من موقع استراتيجيّة العداء الأميركي للثلاثي الروسي الصيني الإيراني، لصالح ما يعتقده بايدن وفريقه الطريقة الأمثل لخوض المواجهة؟ والمؤشرات المقلقة هنا أكثر من واضحة، فإدارة بايدن تستعدّ للعودة للاتفاقيات الدولية التي خرج منها ترامب من اتفاقية المناخ الى الاتفاق النووي مع إيران واتفاقية وقف سباق التسلح الصاروخي الاستراتيجي تعتبر كل ذلك ضرورات لاستعادة وحدة أميركية أوروبية دمّرها ترامب، وإعادة تفعيل حلف الناتو الذي أصابه ترامب بشظايا تهوّره وعنجهيّته، بحيث تصير الخطوات التي تبدو تعبيرات إيجابية تبشر بها مرحلة بايدن، جزءاً من استراتيجية لإعادة ترتيب البيت الأميركي على خلفية العداء التاريخي للنخبة الأميركية الحاكمة مع العواصم الثلاث.
– يقرأ الخبراء في الوثائق والمقالات التي صدرت عن بايدن شخصياً والتي صدرت وتصدر عن كبار معاونيه في رسم سياسات الأمن القومي، فيجدون اللغة العدائيّة في توصيف روسيا والصين وإيران، وبدلاً من أن يجدوا منهجاً يتحدّث عن عالم أكثر أمناً من خلال التعاون الدولي، يجدون منهجاً يجاهر بكيف يمكن مواجهة روسيا والصين وإيران بصورة أفضل، حيث العودة للاتفاقيات لا توصف بفتح الباب لفرص تبريد الأزمات تمهيداً للبحث عن فرص للتفاهمات والتعاون، بل تسمّى بوضوح بإعادة الخصوم الى العلبة، لتطويقهم بالحلفاء والاتفاقيات، وملاحقتهم واستنزافهم وإشغالهم بالالتزامات.
– يستعرض الخبراء ما يصلهم من ورشات عمل لمراكز دراسات وفرق تفكير تعبّر عن رؤية فريق بايدن، فيجدون فيها الكثير من الحديث عن تبني ودعم حركات معارضة وانشقاقات عرقية، وتدخل في الانتخابات، وبناء منظومات إعلامية تحريضية، ما يكشف نيات واضحة لا تبشر بالخير، ويقول الخبراء إنهم لا يتوقعون الكثير في مجال حل الأزمات الإقليمية التي تستدعي اعترافاً أميركياً بفشل مشاريع الهيمنة والسيطرة، وقبولاً أميركياً بالتشارك على قاعدة أن الأمن والاستقرار في العالم معادلة دولية، وأن التفرد لا ينتج إلا المزيد من التوترات والأزمات، وهذا ما لا يبدو في النص السياسيّ الذي سيحكم عهد بايدن.
– عن الرهان على حجم التعقيدات التي تحول دون تصعيد أميركي في ملفات الأزمات، وعلى حجم الانشغال بالداخل الذي سيستقطب الكثير من جهود وإمكانات إدارة بايدن، يقول الخبراء إن هذا صحيح، لكن هذا يعني أن الأزمات ستبقى معلقة، وأن الانخراط الأميركي في التسويات لا يزال بعيداً، وأن بعض الفرص المحدودة قد تتحقق لأن المعادلات المحلية التي تحكمها نضجت لفرض تغيير لم يعُد بيد الأميركيين وقفه من دون التورّط في مواجهة كبرى ليست مستعدّة لها ولا ترغب التورّط بها، ويخطئ من يقرأ هذه الفرص كتعبير عن سيادة منطق التسويات، كما قد يحدث في سورية واليمن، لكنه لن يحدث في أوكرانيا ولا في كوريا الشمالية ولا في التورط الأميركي مع داعش والقاعدة وحركات المعارضة الإيرانية.
– يختم الخبراء بالحديث عن ترقب العواصم الثلاث، بكين وموسكو وطهران، لخطوات إدارة بايدن نحو العودة للتفاهمات وتقدرها إيجاباً، لكن من دون مغادرة الحذر، وعن التعامل في ساحات الأزمات بالمفرق، وفقاً لمعادلات كل منها وحسابات قواها المحلية، ويرون في موقع تركيا في سياسة بايدن مؤشراً على الكثير، بين التخلي عن تركيا كحليف ومواصلة العداء معها وتقبل انضمامها تدريجاً لحلف روسي إيراني، أو السعي لاسترداد تركيا إلى حضن الناتو ولو على حساب حلفاء آخرين لواشنطن داخل الناتو وخارجه، يزعجهم كثيراً إرضاء طموحات تركيا الإقليميّة، والأيام القليلة المقبلة ستكشف الكثير.