المقاومة تسيّج لبنان وتحميه من العدوان
غالب قنديل
بعض اللبنانيين لا يفكرون في السرّ الحقيقي للأمان الذي يتنعمون به بنتيجة الردع الدفاعي الذي فرضته المقاومة على العدو الصهيوني المتربّص بالبلد وبأهله منذ عقود. والواجب الطبيعي لأي إنسان طبيعي أن يتساءل عن السبب الفعلي لانكفاء آلة القتل الصهيونية عن بلده وخوفها من التحرّش باللبنانيين، بحيث لم تعد هذه الآلة طليقة اليد في أجواء لبنان بشنّ الغارات وتنفيذ المجازر وتدمير البلدات والقرى والأحياء، فهي تحلّق الآن للتجسّس كأفعى منزوعة الأنياب أو للعبور الى سورية الشقيقة لاستهدافها.
أولا: إن المقاومة بما تمتلكه من قدرات دفاعية هائلة، ولا سيما ترسانتها الصاروخية الدقيقة، أقامت توازن رعب جدي في وجه الكيان الصهيوني، الذي يحظى بترسانة حربية أميركية وغربية جبارة، يجمّدها توازن الردع ويكتّفها، فتجبن عن التحرّش بلبنان جيشا وشعبا ومقاومة. وماضي هذه الآلة المتوحّشة المجرمة مع شعبنا وبلدنا يقول لنا أنها آلة قتل وبطش إجرامي، لا ترتدع عن استهداف أيّ موقع، وتحظى بدعم أميركي وغربي بلا حدود في التدمير والقتل، الذي تنشره في المنطقة، وهي تجبن اليوم أمام لبنان البلد الصغير المستنزف بأزمة اقتصادية خانقة وبحصار استعماري غربي.
رغم الحصار والعقوبات تتعاظم إمكانات المقاومة، ويعيش الكيان الصهيوني رعبا حقيقيا من قدرتها على ردّ الصاع صاعين وثلاثة، ويتحاشى العدو اختبارها بحدود معلوماته واستطلاعاته لقوة المقاومة. وهو يخشى الأدهى مما يعرفه عنها، فهي مقاومة سيّجت اقتدارها بكتمان شديد وبالابتعاد عن أيّ استعراض، ولا يعلم أسرارها إلا المقاومون المعنيون. ولذلك تثير قدرتها الرادعة رعب الصهاينة من سنوات، وهو رعب يتعاظم مع المزيد من القوة التي تكتسبها هذه المقاومة وتراكمها بالخبرات والقدرات، التي لم تنجح جميع محاولات استنزافها وقطع مسار تطورها خلال السنوات الماضية، التي أعقبت انتصار تموز 2006، ورغم كلّ ما حُشد من إمكانات أميركية وأطلسية، وما فُرض من عقوبات وحصار لتجويف المقاومة من جمهورها، وما يمثّله من سند لإرادتها الصلبة منذ التحرير عام الفين الى اليوم. وإزاء صمودها العظيم يتبدّى مأزق أعظم لجميع دول الغرب الاستعماري، الى جانب الكيان الصهيوني، الموجودين معا في هوّة عجز كبيرة، رغم الترسانات المتضخمّة حتى الورم بالأسلحة الحديثة والتقنيات المتطورة.
ثانيا: لا مجال للمقارنة في حساب توازن القوى بين الإمكانات والقدرات الأطلسية، التي تضم دولا عظمى وجيوشا جرّارة وأساطيل جوية وبحرية الى جانب قوات برية سريعة الانتشار مدجّجة حتى الأسنان بأحدث التكنولوجيا الحربية. لكن ما يمتلكه هذا البلد الصغير لبنان من قوة دفاعية رادعة يخيف تلك الإمبراطوريات وجيوشها الجرّارة. فالغرب الأطلسي والإمبراطورية الأميركية والكيان الصهيوني يقفون عاجزين وخائفين أمام قوة المقاومة اللبنانية، التي غيّرت قواعد الحروب وقوانين الصراع والردع، وأدخلت المنطقة في زمن جديد، أحدث انقلابا في المعادلات وتوازن القوى لدرجة ولّى معها الزمن الذي كان فيه الكيان الصهيوني ينشر الرعب في كل مكان بتفوّقه الجوي وبترسانته الأميركية الصنع، التي يعزّزها الحلف الأطلسي بأساطيله وجيوشه. وقد دعمها بالفل في جميع حروبها، بما في ذلك حرب تموز، التي تصدّى فيها المقاومون لبوارج الناتو وطائراته، بينما كانوا يلحقون الهزيمة على الأرض بالقوة الصهيونية الغازية، التي كانت رأس حربة الهجوم الأطلسي على لبنان.
إن أيّ قراءة لتوازن القوى في المنطقة يجب أن تنطلق من هذا الحساب. فما جرى في تموز 2006 كان هزيمة مشهودة ومدوّية لإمبراطوريات وجيوش كبرى وليس للكيان الصهيوني بمفرده. فجميع دول الحلف الأطلسي كانت في الضفة المقابلة لحزب الله، الذي واجه بمفرده ترسانة دول عظمى ائتلفت في مؤامرة حَشدت لها كلّ إمكاناتها الاستخباراتية وما تحوزه من أسلحة وقدرات وشبكات استخبارات وعملاء في لبنان والمنطقة. وبالتالي فإن نصر تموز بمعناه الواقعي كان اندحار الحلف الأطلسي، وليس إسرائيل بمفردها أمام حزب الله. وهذه هي وحدة القياس في دراسة التوازنات على مستوى المنطقة.
ثالثا: تستهدف الخطط الأميركية والغربية والصهيونية اختبار فرصٍ لاستنزاف طاقة حزب الله الاستراتيجية ومعه محور المقاومة مجتمعا من خلال الضغوط الاقتصادية والسياسية المكرّسة لإضعاف البيئة الشعبية الحاضنة لخيار المقاومة، وتستخدم كل الوسائل في سبيل تحقيق هذه الغاية، التي تقابلها قوى المقاومة بتعبئة الجهود والإمكانات لتوليد حالة من التماسك الشعبي والسياسي في مجابهة العدو الأميركي – الصهيوني وخططه الخبيثة، وبالاستناد الى حلف المقاومة الإقليمي ودعمه.
تحرص المقاومة، مجسّدة بقيادة حزب الله، على حمل التبعات المطلوبة للمواجهة بإمكاناتها وبقدرات مجاهديها. وهي تترك لجميع الآخرين، داخل لبنان وفي البيئة الإقليمية، حرية القرار والخيار في هذه المعركة. فلا تطلب شيئا من أحد كما درجت منذ انطلاقها. فهي تسعى الى شراكات أصيلة وراسخة مبنية على الاختيار الحرّ لتكون واثقة من صلابة الشركاء في أي مجابهة مقبلة. لهذا فقد اعتاد حزب الله ألا يطلب من أحد شيئا في جميع معاركه. وهو اليوم يواصل تطبيق هذا المبدأ في مضمون علاقته بجميع الشركاء والحلفاء، معوّضا تردّد أو غياب بعضهم بتعبئة جمهوره وباستعداده معهم لتقديم تضحيات مضاعفة دفاعا عن لبنان، وبالحضور المعزَّز حيث يغيب أو يجبن الآخرون.