“الثالثة” لم تكن “ثابتة” مع نتنياهو: معن بشور_
هذه المرة لم تكن “الثالثة ثابتة” مع نتنياهو، فهو أمام انتخابات رابعة للكنيست الصهيوني خلال عامين، وهو أيضاً مهدّد هذه المرة بالحرمان من رئاسة الحكومة، ليس لصالح حزب آخر، بل لمرشحين صاعدين من حزب الليكود نفسه.
محللّون كثر يرون أنّ حال عدم الاستقرار السياسي هو انعكاس لتضارب مصالح شخصية وحزبية تحول دون قيام تشكيلة سياسية متجانسة، غير أنّ التحليل الأعمق لظاهرة اللااستقرار السياسي في الكيان الصهيوني هو أنها تعبير عن أزمة بنيوية في الكيان ذاته، بل عن أزمة وجود لهذا الكيان الذي لم يعد كبار المحللين الاستراتيجيين فيه، وحتى مراكز استخبارية أميركية حليفة له، يخفون مخاوفهم من زوال هذا الكيان خلال سنوات لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليدين، وأحياناً عدد أصابع اليد الواحدة…
وما يعزّز وجهة نظرنا بالمخاطر الوجودية التي تهدّد هذا الكيان لا يعود فقط لتنامي ظاهرة المقاومة لهذا الكيان واتساعها وتماسك قواها فحسب، بل أيضاً إلى نمو ظاهرة “التطرف الديني” داخل هذا الكيان، وهو تطرف يعكس قلقاً أكثر مما يعكس قوة.
فالتطرّف السياسي أو العقائدي أو الديني ظاهرة مرادفة لانعدام التوازن الشخصي أو العقلي أو العصبي أو الاجتماعي لدى الأفراد أو الجماعات أو المجتمعات.
وفي الكيان الصهيوني ترتبط ظاهرة التطرّف باهتزاز التوازن الداخليّ، سواء داخل الكيان ككلّ أو حتى داخل الأفراد والأحزاب، بعد أن شعروا أنّ المقاومة الفلسطينية والعربية والإسلامية لهذا الكيان قد تحوّلت من مجرد تظاهرات تهتف ضدّ الصهيوني والاستعمار في الشوارع إلى حجارة يرميها أطفال في الانتفاضات الفلسطينية، إلى صواريخ تهدّد الكيان في عمقه وتدفع بالأعداد الكبيرة من مواطنيه إلى التحصّن لأسابيع وربما أكثر، في ملاجئ لم تعدّ لهم بالشكل الكافي..
ويتعمّق هذا الإحساس بالخطر الوجوديّ على الكيان لدى شعور المواطن، كما المسؤول الصهيونيّ، عسكرياً كان أم مدنياً، أنه عاجز عن الردّ الكاسح على قوى المقاومة كما كان يفعل سابقاً، سواء في جنوب فلسطين أو في شمال فلسطين (جنوب لبنان) أو حتى في الجولان السوريّ، إلى درجة أنّ البعض في هذا الكيان بات يتحدّث عن سيناريوات توغل المقاومين في المستعمرات الشمالية واحتمال “احتلال” الجليل الأعلى برمّته بالنسبة إليه، وتحرير بالنسبة لنا.
فإذا كان اهتزاز ثقة “الإسرائيليين” بأمن كيانهم الذي كان تفوّقه السابق يضمن الأمن، هو أحد أسباب اهتزاز التوازن لدى الفرد أو المجتمع، فإنّ هناك عناصر أخرى تعزز من هذا الاهتزاز لأنها تشمل ركائز أخرى قام عليها هذا الكيان.
من هذه الركائز هو أنّ هذا الكيان قد قام أيضاً على الدعم الخارجي الهائل من حلفائه في الغرب، كما من أوساط واسعة في الرأي العام العالمي صدقت لسنوات الكذبة الصهيونية بأنّ الكيان الغاصب هو واحة للديمقراطية محاطة بصحراء من الديكتاتوريات وبوحوش جاهزة للانقضاض عليه.
واليوم يشعر هذا الكيان بعزلة متزايدة مع بروز صحوة عالميّة تدين العدوان الصهيوني وتأخذ أشكالاً متعددة لا سيّما من خلال تنامي تأثير حركات المقاطعة (BDS (لضغوط لملاحقة نشطائها، ومع تحوّل في مزاج الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن المعترض على الممارسات الصهيونية، ومع الأزمات البنيوية العميقة التي تعيشها الدول الغربية الكبرى الداعمة لهذا الكيان وفي مقدّمتها الولايات المتحدة الأميركية بما ينعكس سلباً على حجم الدعم للكيان الصهيوني، بل على موازين القوى إقليمياً ودولياً.
ومن ركائز هذا الكيان الرئيسية كانت اعتماده على الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة، التي باتت مهدّدة أيضاً مع تزايد الهجرة المضادة من جهة، وإبداء العديد من الصهاينة رغبتهم في مغادرة الكيان، ناهيك عن احتدام النزاعات العنصرية بين اليهود أنفسهم، غربيين وشرقيين، أشكيناز وسفارديم، بيضا وسوداً، حتى اليهود الروس فإنّ العديد منهم يهاجر من الكيان إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، خصوصاً أنّ جواز السفر “الإسرائيلي” لا يحتاج إلى تأشيرة دخول.
من ركائز هذا الكيان أيضاً هي العقيدة الصهيونية التي تتحدث عن “إسرائيل الكبرى” الممتدة من النيل إلى الفرات، وترفض أيّ تنازل عن أرض احتلتها، فإذ بهذه العقيدة تتهاوى أمام الانسحابات “الإسرائيلية” من سيناء وبعض الجولان وجنوب لبنان (عدا مزارع شبعا وكفرشوبا)، بل بشكل خاص أمام الاندحار من غزّة التي تحوّلت إلى شوكة في حلق الكيان الغاصب.
ربما يبقى لهذا الكيان ركيزة رئيسية وهي دعم بعض النظام الرسمي العربي لهذا الكيان، وهو ما أسمّيه دائماً “بالقبة الفولاذية” الحقيقية لحماية الكيان، وهو دعم يسعى الصهاينة، ومعهم الإدارة الأميركية، إلى تحويله إلى تطبيع متحالف ضدّ إرادة المقاومة في الأمّة..
وربما هذه الركيزة هي التي تجعل من المعركة مع الكيان الصهيوني هي معركة وطنية داخل كلّ قطر عربي، وتشكل فيها حركة مناهضة التطبيع الوجه الآخر لحركة المقاومة الشعبية والمسلحة ضدّ الاحتلال.. وهو ما يتطلّب بالدرجة الأولى موقفاً فلسطينياً موحّداً ضدّ التطبيع يؤدّي إلى قيام انتفاضة شعبية عارمة لدحر الاحتلال في الضفة والقطاع وصولاً إلى دحره من كلّ فلسطين، تكون طليعته حراك شعبيّ عربيّ وإسلاميّ وإنسانيّ واسع، وهو بالسعي إلى تحقيقه عبر الدعوة إلى مؤتمر عربي عام تحت عنوان “متحدون ضدّ التطبيع”.
وبهذا المعنى، فإنّ حلّ الكنيست الإسرائيلي والدعوة إلى انتخابات رابعة خلال عامين هو دعوة لتصعيد النضال ضدّ المشروع الصهيو – استعماري، كما هو تحذير لكلّ المراهنين على قوة هذا المشروع والسعي للالتحاق به…
ففلسطين قضية مقدّسة مَن اقترب منها اعتزّ، ومن ابتعد عنها اهتز…
*المنسق العام لتجمع اللجان والروابط الشعبية في لبنان
(البناء)