مخاوف على التحقيق و ليس من التحقيق؟: ناصر قنديل
– لا يملك أحد بعد فرصة الحكم على الخلفيات التي دفعت بالمحقق العدلي القاضي فادي صوان لتوجيه اتهاماته، أو بالأحرى حصر اتهاماته، بالرئيس حسان دياب والوزراء علي حسن خليل ويوسف فنيانوس وغازي زعيتر، في ظل اسئلة كبرى من نوع، اختيار رئيس حكومة لا يحظى بحماية طائفته، ويشترك مع الوزراء الذين طالهم الاتهام بالانتماء لخط سياسي واحد، على الأقل لجهة الموقف من المقاومة، بينما المتفجّرات المخبأة في مرفأ بيروت، عايشت لسنوات وجود رؤساء حكومات ووزراء يختلفون عن الذين تلقوا الاتهام بأنهم على مسافة من المقاومة وما تمثل، بحيث يصعب تفادي التساؤل عما إذا كان هذا الانتقاء تقاطع مع هذه الصورة السياسية والطائفية بمحض الصدفة، كيف وأن تقاطعاً آخر يحضر فوراً ويعقّد مهمة الاعتقاد بالصدفة مرة أخرى، وهو أن اثنين من المدعى عليهم من الوزراء هم من الذين طالتهم العقوبات الأميركية بتهمة العلاقة بحزب الله، كيف وأن بيان مجلس القضاء الأعلى الداعم لقرار المحقق العدلي يقدم ربطاً واضحاً بين مسار التحقيق العدلي ومسار التحقيق الفرنسي، ويشير إلى فرضية ظهور تحليل تقني جديد عن التحقيق الفرنسي الذي انتهى سابقاً للقول بفرضية الإهمال والقضاء والقدر، وربما يغير هذه الفرضية إلى إثارة شبهات حول دور أمني للمتفجرات التي كانت في مستودعات المرفأ.
– القلق على التحقيق وتمكّنه من بلوغ خواتيمه التي ينتظرها اللبنانيون، تثيره هذه الأسئلة من جهة، والتجاذب المتوقع سياسياً حول الصلاحيات في توجيه الاتهامات، من جهة موازية، مع تراجع المناخ الشعبي القائم على الإجماع حول طلب السير بالتحقيق نحو «الرؤوس الكبيرة»، في ظل شعور شرائح واسعة باستضعاف الرئيس حسان دياب وتحويله الى كبش محرقة بين رؤساء حكومات سابقين لهم نادٍ حصريّ، يمنع عليه دخوله، يحظون بحماية طائفية سبق وتجسدت بموقف معلن لدار الفتوى من رفض اي مثول للرئيس فؤاد السنيورة أمام القضاء، وقد عاصر ثلاثة منهم وجود هذه المتفجّرات في المرفأ، ولا يمكن إعفاؤهم من المسؤولية ولو بمنطق الهرمية التي تجعل رئيس الحكومة مسؤولاً عن أفعال او تقصير حكومته، وهذا ما يفتح الباب، في ظل ما بات مثبتاً بالتوازي والتشارك مع التحقيق الفرنسي، للقلق من تحكم خارجي بمسار التحقيق بأدوات قضائية وتحقيقية، كما جرى في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، خصوصاً مع تكرار دعوات مشابهة لما رافق تلك الجريمة، سواء للتحقيق الدولي، أو لتوجيه الاتهام لحزب الله، أو لتحقيق دولي يشكل الباب لتوجيه هذا الاتهام، والخشية من أن يكون مدخل كل ذلك، إدخال التحقيق اللبناني في متاهات ونزاعات وإشاعات وشبهات تحول دون مواصلته مهمته.
– مجلس القضاء الأعلى والمحقق العدلي مطالبان بعدم التعامل مع الأسئلة والمخاوف بصفتها تشكيكاً أو نيلاً من مصداقية القضاء ونزاهته، بل بصفتها مخاوف مشروعة، وقلقاً نابعاً من خبرات وتجارب سابقة، أهمها ما رافق ولا يزال جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث ضاعت الحقيقة والعدالة والقضاء وصدقية التحقيق، في دهاليز السياسة الداخلية، والتدخلات الخارجية، والأسئلة والمخاوف الواردة ليست بسيطة ولا هي مجرد تخيّلات، وليس كافياً أن يقتنع المحقق العدلي ومعه مجلس القضاء الأعلى بمطابقة الادعاء لمعايير قانونية، بمعزل عن درجة القدرة على إقناع الرأي العام بنزاهة وصدقية الادعاء، والحفاظ على وحدة وإجماع الرأي العام وراء القضاء، في ظل حالة تخبّط وانقسامات ومخاوف وتطلعات تشكل بمجموعها مصادر متناقضة لصناعة الرأي العام، لا يمكن إعفاء القضاء من أخذها بالاعتبار، لأن مهمة العدالة ضمن مسار بناء الدولة التراكمي، لا تنفصل عن المهمة المرتبطة بالعدالة في الجريمة بعينها.