2021 عام السياسة بامتياز: ناصر قنديل
– لم يعُد ثمّة شك بأن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن سيتسلّم مقاليد الحكم في 20 كانون الثاني المقبل، وأن التساؤلات التي رافقت المرحلة الانتخابية ولا تزال ذيول بعضها حاضرة، لن تجد طريقها لخلق فرصة لتشبث الرئيس دونالد ترامب بالبقاء في البيت الأبيض ورفض الاعتراف بنتائج الانتخابات وصولاً للامتناع عن تسليم السلطة، كذلك لم يعُد هناك شك بأن الرئيس بايدن يستعير الشعار الذي بدأ به الرئيس باراك أوباما ومن بعده الرئيس دونالد ترامب رئاستيهما، وهو أميركا أولاً، يمعنى الخروج من دور الشرطي العالمي والتورط في النزاعات الدولية والإقليمية، التي ثبت العجز عن حسمها كما ثبت تأثيرها على تراجع الهيبة الأميركيّة وتضرّر المصالح الأميركيّة، والانكفاء نحو الاهتمام بداخل الحدود حيث الخراب يتّسع والتراجع يتضخّم، والحاجة للترميم والصيانة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً تتحوّل الى أولوية، لكنهما لم يلبثا خلال الممارسة أن تركاه لحساب التورط في الصراعات تحت ضغط مصالح تكتلات اقتصادية ولوبيات سياسيّة وحلفاء ومموّلين.
– كانت أميركا تغرق أكثر في الخراب وتتورّط أكثر في الفشل، كلما تمّت مغادرة شعار أميركا أولاً لدرجة يعود ليصير شعاراً صالحاً لحملة انتخابية منافسة، فيفوز على أساسه أوباما بمواجهة جو ماكين حامل تركة جورج بوش الإبن، ويفوز على أساسه ترامب في مواجهة بايدن حاملاً تركة أوباما، ويفوز على أساسه مجدداً بايدن على ترامب حاملاً تركة نفسه، وقد بلغت أميركا مع الإمعان في خيانة هذا الشعار الى مكان لم يعُد يحتمل التلاعب به مجدداً، كما تقول مقالة بايدن المنشورة في مجلة الفورين أفيرز في الربيع الماضي، والتي تدعو بحسم لإعادة الاعتبار للدبلوماسية، من تنشيط الأمم المتحدة، الى العودة للاتفاقيات الدوليّة، إلى إحياء الشراكات مع أوروبا ومع الخصوم في روسيا والصين وإيران وسواها، للتفرغ لإعادة بناء أميركا وإعادة إنتاج موقع جديد لها قادر على المنافسة على زعامة العالم، بعدما فشلت محاولة حكم العالم بالقوة.
– يُجمع المراقبون والمتابعون داخل أميركا وخارجها على أن الملف النوويّ الإيرانيّ يشكل مفتاح الانتقال من سياسات التورّط الى سياسات أميركا أولاً، وهو الملف الذي شكّل التوصّل الى اتفاق حوله، كان أول ترجمة نوعيّة في عهد أوباما لمفهوم العودة الى الداخل الأميركي والانسحاب من التورط في سياسة التدخلات، والإقرار بحقائق الموازين الجديدة التي تحكم العالم، فعبر العودة للتفاهم حول الملف النووي مع إيران تُستعاد وحدة أميركا مع أوروبا التي تصدّعت بفعل الانسحاب الأميركي من الاتفاق قبل اي أسباب أخرى، وعبر العودة يُفتح باب إحياء حلف الناتو المتصدّع بين أجنحة أميركية وأوروبية وتركية، وعبر العودة للتفاهم ينخفض سقف التوتر مع روسيا والصين، والأهم أنه عبر هذه العودة تتخفف واشنطن من أعباء التصعيد في الشرق الأوسط الذي يشكل أكبر مصدر للاستنزاف المعنوي والمادي للمكانة والإمكانات بالنسبة لواشنطن.
– تبدو المواقف الصادرة عن إدارة بايدن، خصوصاً ما قاله هو شخصياً وأعاد تأكيده مستشاره للأمن القومي، باتجاه اولوية العودة للتفاهم النووي، ضمن شرط واحد هو التزام إيران بموجباتها، وتبدو إيران واضحة في إعلانها عن الاستعداد للالتزام بموجبات الإتفاق بشرط واحد هو عودة إدارة بايدن للتفاهم، ما يعني ان الشهور الأولى من العام 2021 ستكون موعداً للعودة للتفاهم، وهذا يعني فتح الباب الواسع لسلسلة من التداعيات على ملفات المنطقة، من سورية إلى اليمن إلى العراق ولبنان وصولاً لربط النزاع حول المواقف المتعارضة حول فلسطين، كما يعني فتح الباب واسعاً لعودة تفاهمات دولية خرج منها ترامب وسيعود إليها بايدن، وفتح الباب لتفاوض من موقع البحث عن حلول حول المشاكل العالقة مع كل من روسيا والصين.
– عام 2021 هو عام للسياسة بامتياز