نحو جبهة متّحدة لإعادة البناء الوطني
غالب قنديل
يستمر العمل الوطني المشترك بصورة مقبولة في مواجهة التحديات، وهو أقرب الى صيغ التنسيق التي لم ترقَ بعد الى شكل جبهوّي محدّد، يتّخذ طابع المؤسسات التنظيمية الجامعة والقادرة على حمل المسؤولية في معركة كالتي يخوضها لبنان.
أولا: إن القوى والأحزاب الوطنية اللبنانية، وفي مقدمتها التيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله وتيار المردة والحزب الديمقراطي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار الكرامة وسائر الأطراف والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية مدعوة في هذه الظروف الى رصّ صفوفها وإطلاق صيغة جديدة وفاعلة للعمل المشترك بهدف إنقاذ البلاد. والجميع متفق على استثنائية الظروف، وعلى التحديات المصيرية التي تواجه البلد، فلا نجد مبررا لعدم المبادرة الى تطوير صيغِ وأشكال العمل الوطني في سبيل الإنقاذ. فالتحدّي الوطني المتمثّل باحتضان المقاومة ومواصلة الصراع ضد العدو الصهيوني وأطماعه، يتطلب صيغة أكثر تنظيما من أنماط التنسيق التي قامت في السنوات الأخيرة بين سائر الأطراف الوطنية المعنية، والتي شاركت مع المقاومة في الدفاع عن الوطن والشعب.
أما الكارثة الحاضرة بعد الانهيار الكبير، فهي تطرح تحديات لا تقلّ خطورة عن العدوان الصهيوني، والاحتلال الذي فُرض على جزء من المناطق اللبنانية خلال السنوات السابقة. فاليوم تبدو التهديدات أشمل وأخطر من كل ما سبق، لأنها تطال الشعب اللبناني برمّته في وجوده ومصيره وقدرته على الاستمرار. وما يُفرض على اللبنانيين من حصار وإفقار وتجويع، يبدو أشدّ هولا من كل ما سلف. ويتطلب التصدّي للأزمة المرتبطة بإحكام العقوبات وبالحصار والضغوط توحيد الصفوف في إطار جبهة وطنية تقود معركة الصمود والتصدّي للحلف المعادي الذي يحاصر البلد، ويسعى الى خنقه وابتزازه.
ثانيا: إن معركة الصمود وكسر الحصار وتوفير مستلزمات العيش ضد العقوبات والتنكيل الاستعماري الغربي هي في صلب قضية التحرّر الوطني، وتستدعي توحيد الصفوف وبلورة برنامج للإنقاذ، يتضمن سلسلة من التدابير والإجراءات الاقتصادية الاستثنائية بعيدا عن عقلية المياومة واستخدام المسكنات واللهاث خلف وهم المساعدات الغربية. فهذه المعركة لا تنفصل عن معركة التحرّر من الاحتلال الصهيوني والوصاية الغربية.
واهم كل من يتخيّل أن النجاة من براثن الحصار والعقوبات الغربية – الأميركية، ومباشرة مسيرة إعادة البناء الوطني بعد ما حلّ من خراب في الاقتصاد اللبناني، هو أمر يمكن فصله عن قضية التحرّر والتخلّص من الهيمنة الغربية، عبر تنفيذ برنامج يكنس آثار الهيمنة الاستعمارية، ويؤسس لاقتصاد جديد يلبّي مصالح الشعب اللبناني، ويؤمّن التكامل الحقيقي مع الدول الشقيقة والحليفة، وفي مقدمتها سورية والعراق وإيران. وإنه لمن الغرابة بمكان ألا يُطرح هذا الهدف على جدول أعمال القوى الوطنية، للتعبئة بمضمونه على الأقل، وخلق المعادلة التي تسمح بالسير اليه إن لم تكن الظروف ناضجة سياسيا لقيادة هذا التحوّل الآن وفورا، وهو الاستحقاق الأكثر إلحاحا.
ثالثا: لقد واجهت شعوب وبلدان أخرى في العالم ظروفا مشابهة وأشدّ صعوبة أحيانا، فعلى الأقل يستطيع الوطنيون اللبنانيون اليوم الاعتماد على حلفاء موثوقين كسورية وإيران والعراق لتوحيد الجهود، كما يمكنهم التطلّع الى الشراكة الممكنة مع دول عظمى كالصين وروسيا. وهذا التوجّه بذاته يعزّز المكانة الإقليمية والوزن السياسي للبلد، ويحسّن شروط الشراكات الممكنة خارج دوائر حلف المقاومة وأصدقائه. ومن أكثر مخاطر الاختناق أن نبقى محشورين في جيب الغرب الاستعماري وبلدانه الطامعة بالهيمنة على بلادنا، وجذبنا الى المزيد من سيطرة الغرب اللصوصية تحت عناوين المساعدة، التي هي الوسيلة المستحدثة لتجديد الهيمنة، وإعادة غرس أظافرها في أجساد بلدان العالم الثالث وثرواتها وأسواقها.
الغرب الاستعماري يعتبر اليوم أن لبنان المستنزف، هو صيد ثمين، يمكن وضع اليد عليه، وإحكام السيطرة الاستعمارية والوصاية لاقتصادية والسياسية، التي تحوّله الى منصة للنفوذ الاستعماري الغربي في المنطقة بصورة عامة. وعلينا كلبنانيين أن نختار الصورة التي نطمح لأن يكون بلدنا عليها بعد كل ما جرى، هل نستسلم للمزيد من الهيمنة اللصوصية والنهب، ونتحول الى خَدَم للشركات والحكومات والأجهزة الفرنسية والأميركية، أم نعيد بناء اقتصادنا الوطني على أسس جديدة تناسب مصالحنا، وتنتزع لبلدنا مكانة لائقة في الشرق العربي؟.