سورية تقاوم العدوان والحصار والعقوبات
غالب قنديل
المواجهة التي تخوضها الدولة الوطنية السورية مع العدوان الاستعماري، تُعتبر الأشرس والأشد هولا من فصول الصراع الدائر بين محور المقاومة والمعسكر الاستعماري الصهيوني.
أولا: تتعرض الجمهورية العربية السورية منذ سنوات لحصار يقوده الحلف الاستعماري الصهيوني بزعامة الولايات المتحدة، وهي تعتمد في صمودها على قدراتها الوطنية وبعض تحالفاتها. وقد استطاعت خلال السنوات الماضية أن تجسّد مثالا نادرا في الصلابة والقوة والقدرة على حشد الإمكانات الوطنية والتكيّف مع أسوأ شروط العدوان والحصار، بعدما جمع الحلف الاستعماري بين أشكالٍ وأدواتٍ متعددة للاستنزاف الى جانب الحصار الاقتصادي. فقد دعم الغرب بقيادة الولايات المتحدة عصابات الإرهاب، التي نشرت الموت والدمار في غالبية المناطق السورية، ونظّمت استنزافا شاملا للاقتصاد الوطني، الى جانب حملة إعلام شرسة استهدفت صمود سورية ووحدتها الوطنية.
سُخِّرت بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة الغرب بأسره، إمبراطوريات غربية إعلامية ضخمة لشيطنة سورية، ولبثّ الأكاذيب حول الحدث السوري ومجرياته. وفي حين اعتمد الغرب لغة فاجرة للشيطنة والتحريض، واستعمل منصات عربية عديدة، لبثّ الكراهية ضد الدولة السورية ولنشر الأكاذيب، ولتزوير الوقائع، كانت سورية ولا تزال تواجه وحيدة ومعها بعض الحلفاء المخلصين من محور المقاومة، بإمكانات إعلامية متواضعة، قياسا للإمبراطوريات الغربية والخليجية وإمكاناتها الهائلة. وهذا ما رجّح الصورة الزائفة عن الحدث السوري، وولّد انطباعات تخدم قوى العدوان وعصابات الإرهاب التكفيرية لفترة غير قليلة.
ثانيا: ينبغي الاعتراف بأن الصمود السوري في وجه الاستنزاف الخطير والحصار السياسي والاقتصادي يجسّد ملحمة نادرة، تعكس بصورة أساسية جذرية الموقف الوطني التحرّري للقيادة السورية وللدولة الوطنية، والتماسك الشعبي الواضح والمتزايد بالالتفاف حول القيادة والجيش والدولة الوطنية، وهذا الى جانب الدعم الذي قدّمه الحلفاء في محور المقاومة، وبالذات إيران وحزب الله، هو أحد أسرار الصمود الملحمي لسورية الدولة والجيش والشعب.
تدخل معركة سورية التحرّرية فصولا حاسمة، تقترب من نهاية صارت معروفة. فانتصار الدولة الوطنية قادم لا محالة. ويشبه تصميم الحلف المعادي على مواصلة العدوان ما يوصف في المعارك العسكرية بأنه آخر جولة للاحتفاظ بما يمكن من فتات المكاسب بعد خسارة المعركة. وغالبا ما يكون ذلك عشية التفاوض بين المتحاربين. والواضح اليوم أن الإنجازات التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في محور المقاومة تبشّر بتبلور ملامح الانتصار السوري الحاسم. مع الإشارة الضرورية الى أن الحرب التي تصدّت لها الجمهورية العربية السورية كانت عدوانا كونيا، قادته الإمبراطورية الأميركية ومعها الحلف الأطلسي والنظام الرجعي العربي برمّته. ومن هذه النقطة يبدأ حساب المعادلات، ويتبلور حجم الإنجاز السوري المحتوم والآتي بالانتصار على العدوان.
ثالثا: لا شك أن انتصار سورية سوف يمثّل تحولا استراتيجيا نوعيا وتاريخيا في المنطقة برمّتها. فهو عدا عن كونه تطورا كبيرا في ميزان القوى والمعادلات الإقليمية والدولية، سيعني انبثاق قوة إقليمية جبارة ومُهابة، استطاعت الانتصار على عدوان كوني، ومعها بعض الحلفاء شركاء النصر، وبالذات حزب الله وإيران وسائر أطراف محور المقاومة. وهذا التحوّل سيفتتح تاريخا جديدا في المنطقة، ما بعده غير ما قبله في جميع بلدان الشرق العربي، وبالذات في لبنان والعراق واليمن وفلسطين، لأن إشعاع الانتصار السوري سيبدّل في البيئة الإقليمية، ويخلق وقائع جديدة، تؤسس لتحوّل كبير اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
لهذه الأسباب يتكالب الغرب الاستعماري وعملاؤه في كل المنطقة لعرقلة مسار القوة السورية. فالمخططون الأميركيون يعلمون جيدا ما هو مغزى انتصار سورية بعد كل ما حِيك ضدها، وما استهدفها خلال العقدين الأخيرين. وسورية القوية القادمة ستفرض حضورها كقوة صانعة للتوازنات وكقلعة مُهابه للتحرّر والعروبة والمقاومة، وستكون مع حلفائها كتلة إقليمية صاعدة تفرض معادلات جديدة عسكرية وسياسية واقتصادية ستكون لها انعكاسات كبيرة على صعيد الشرق كلّه. ومقابل النهوض السوري قوميا، تبدو حالة المعسكر الرجعي مستنزفة متهالكة فاقدة للزخم والاندفاع الهجومي.
الرصيد السوري الذي يراكمه الانتصار على المخطط الاستعماري الخبيث يشكل قوة دفع هائلة للدولة الوطنية السورية سياسيا واقتصاديا، ويجعل منها نموذجا لقلاع الشرق الصامدة في وجه الهيمنة والعدوان.