من يبادر الى مشروع وطني للإنقاذ؟
غالب قنديل
يسود انتظار سقيم، وغير مفهوم منطقيا، جميع الدوائر القيادية في البلد، وكأن شيئا ما طيّ الغيب ينبغي انتظاره. والحقيقة أن الحيّز الرئيسي من الانتظارية القاتلة التي تسود السلوك السياسي، تشغله حالة من العجز عن بلورة برنامج أو مشروع جدي للإنقاذ الوطني، وانتظارية قاتلة لما يمكن أن يُسفر عنه الانهيار الزاحف ماليا واقتصاديا، وسط مناخ إقليمي حافل بالمخاطر والتهديدات.
أولا: إن أي جهة مسؤولة في لبنان مُطالَبة ببلورة تصوّر واضح ومحدّد حول سبل الخلاص والخروج من الكارثة التي حلّت بالبلد. وبغض النظر عن الحساب الطبيعي المستحق في توزيع المسؤوليات، ولا سيما في السؤال عن الرهان على المعونة الخارجية لتلافي الانهيار، التي كان مصدرها أهل النظام، وبالذات القوى المرتبطة بالغرب التي أرادت دفع اللبنانيين الى قبول الالتحاق بمنظومة الهيمنة ومشاريعها على مستوى المنطقة، وهذا ما عبّرت عنه طروحات ومشاريع سياسية معلنة، روّجت لخيار الرضوخ تحت الضغوط والتخلّي عن المقاومة وعن الموقف اللبناني المبدئي الرافض للإذعان، وأولها التخلي عن المقاومة والتنازل عن حقوق لبنان في المساومة مع الكيان الصهيوني على صعيد ترسيم الحدود وتحصيل الحقوق اللبنانية.
ثانيا: في صراع المحورين الذي ما زال محتدما، ويتحكم بمصير المنطقة، لا يمكن للبنان أن يكون محايدا. والطبيعي والبديهي أن تتّخذ القوى الوطنية اللبنانية خيارا مبدئيا حاسما برفض الشروط الأميركية والتصميم على إسقاطها. ومن الواضح أن الموقف الرسمي اللبناني، في حصيلة توازنات السلطة، ما زال دون مستوى المواجهة المستحقة مع الحلف الأميركي – الصهيوني ومشاريعه لكسر الإرادة اللبنانية ولفرض الإذعان.
ولا خيار واقعيا للبنان كي يحمي حقوقه سوى بثبات الانتماء الى محور المقاومة، ورفض الشروط والإملاءات، والدخول في مواجهة مع مشاريع الهيمنة الأميركية الصهيونية دون تردّد، ومن غير اعتبار لتبدّل الحكومات والأشخاص في واشنطن، لأن العكس فيه الخراب والمزيد من الاستنزاف. وكلّ كلام آخر ضرب من الوهم والتضليل.
ثالثا: إن على الفريق الوطني واجبات ومسؤوليات ملحة في مثل هذا الظرف، فالصراع الحقيقي الذي يخوضه لبنان هو في إطاره المبدئي معركة استقلال وسيادة وتحرّر، ولا يعني الرضوخ للشروط الأميركية – الصهيونية سوى التخلي عن السيادة، وترك الحقوق اللبنانية للمغتصبين الصهاينة. وجميع العناوين والقضايا الأخرى المتداولة في لبنان، من خارج هذا النسق، وظيفتها التضليل والتعمية، وأخذ الرأي العام الى خنادق مشبوهة لا تخدم المصالح اللبنانية، وبالذات، هي لا تخدم تحصين لبنان والعمل لإنقاذه من خطر الانهيار الزاحف، وحمايته من مشاريع الهيمنة الأميركية – الصهيونية.
إن على اللبنانيين أن يستعدّوا لمعركة غير عادية مع الحلف الأميركي – الصهيوني على ثلاث جبهات، هي جبهة التفاوض غير المباشر حول حقوق لبنان، وعدم التفريط بها بأي ثمن، وجبهة الإنقاذ لاقتصادي والنهوض بعد الانهيار، وجبهة الوحدة الوطنية الداخلية لتحقيق الهدفين السابقين.
رابعا: إن الواقع السياسي اللبناني يفترض عملا حثيثا أمام هذه التحديات لبناء جبهة وطنية صلبة ومتماسكة ببرنامج إنقاذي، يعكس حاجة البلد لنهضة وطية تخرجه من الهوة السحيقة التي بلغها الانهيار الاقتصادي والمالي بعيدا عن الترقيع والمسكنات وتقاذف المسؤوليات، مع عدم إغفال أهمية المحاسبة في أيٍّ من الملفات الأساسية التي أثيرت. لكن هذه العملية لا يجب أن تكون على حساب الهدف الأهم والضروري كشرط لا غنى عنه في إنهاض البلد من جديد سياسيا واقتصاديا، وتنضيج الظروف لجبهة موحّدة أو مؤتمر وطني، وبلورة خطة للإنقاذ تحقّق تحصين السيادة الوطنية، وتبلور خطة عملية لإعادة البناء بعد الكارثة، فتؤسس بذلك لإحياء لبنان اقتصاديا وسياسيا. وكل شيء يجب أن يبدأ بتعبئة الناس حول برنامج الإنقاذ، وإطلاق التحرّك المطلوب سياسيا ودستوريا لتحويله الى برنامج حكم، يتيح الإمساك بدفة المسيرة الإنقاذية وأخذها الى الغاية المنشودة.