بقلم غالب قنديل

إيران قوة صاعدة رغم الحصار

 

غالب قنديل

منذ انتصار الثورة وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران يفرض عليها الغرب الاستعماري طوقا من الحصار السياسي والاقتصادي، ويشن بقيادة الولايات المتحدة حملات شيطنة منظّمة وحربا اقتصادية بلا هوادة وحصارا محكما، ورغم ذلك وصلت الأمور مؤخرا الى وضع جديد شرعت فيه المراكز الغربية الاستعمارية تتوسل الطرق الملتوية لفتح قنوات للحوار وللتفاوض مع طهران.

 

أولا: أظهرت التجربة الإيرانية إرادة صلبة نادرة وتمسّكا بالاستقلال الاقتصادي والسياسي، ومراكمة لعناصر القوة بالإمكانات الذاتية، وعبر شراكات ندّية متكافئة مع دول أخرى في العالم الثالث، وفي الشرق خصوصا. وقد فرضت طهران هيبة واحتراما كبيرين لدورها في منطقة وجودها في قلب المشرق وفي دوائر إشعاعها المتعددة في الجوار الآسيوي.

والحصيلة التي يستنتجها أي باحث موضوعي بعد عقود من انتصار الثورة وقيام الجمهورية في هذا البلد الشرقي الكبير والغني، هي أن الجمهورية الإسلامية التي أسسها الإمام الراحل آية الله الخميني تمثّل نموذجا متميزا لإرادة الاستقلال، وللبناء الوطني للقدرات الاقتصادية، وامتلاك التكنولوجيا. وقد عبّرت هذه التجربة عن هذا النهج، وعن التمسّك بالشراكات على قاعدة احترام الاستقلال والخصائص الوطنية والقيم التحررية، ورفض جميع أشكال التدخلات الاستعمارية والوصاية الأجنبية.

ثانيا: إن مسيرة البناء الوطني التي خاضتها إيران بعد انتصار الثورة حققت إنجازات عظيمة على مستوى البناء الاقتصادي المتطور ،الذي يثبت جدارته ويستعد لوثبة جديدة بامتلاك التكنولوجيا النووية التي استخدمتها إيران في التنمية لصناعية، وكذلك في مجالات تطبيقية للعلوم الطبية والطاقة، ما جعلها من بين الدول المتقدمة في العالم على صعيد الابتكارات والإنجازات العلمية رغم الحصار والضغوط.

وفيما يحاول الغرب تطويق الجهود الإيرانية لامتلاك التكنولوجيا النووية بأي ثمن من خلال استهداف برنامجها النووي وشيطنته، نجحت إيران في التحدي بإرغام الغرب على الاعتراف بمشروعية هذا البرنامج، الذي تمسكت طهران بطابعه السلمي وبأهدافه الاقتصادية الإنمائية التي تبلغ بالبلاد وباقتصادها عتبة الوثبة النوعية في قدراتها الصناعية والتكنولوجية، خلافا لاتهامات الغرب بالسعي الى امتلاك القنبلة، وهو ما واضبت إيران على دحضه سياسيا وثقافيا، ودعمت منطقها بفتوى لا تقبل الجدل، وبوجهة نظر متماسكة عرضها المرشد آية الله الخامنئي، وشكّلت مطالعة فريدة من دولة نووية، بلغت شوطا مهما في امتلاك التكنولوجيا، وترفض الانتقال الى تصنيع السلاح النووي، وتحصر أهدافها بامتلاك تكنولوجيا صناعية – نووية – سلمية تسهم في جهود التنمية الصناعية، وتعزز القدرات الاقتصادية لدولة شرقية لا يُستهان بثرواتها.

ثالثا: إن امتلاك إيران للطاقة النووية يمثّل وثبة تقنية هائلة في مجالات عديدة أهمها توليد الطاقة الكهربائية وتطوير صناعة التعدين وكذلك تطوير استعمالات الطاقة النووية في المجالات العلمية والطبية والصناعية الدقيقة، مع التحريم المبدئي للقنبلة الذي حملته فتوى الإمام الخامنئي في رسالة الى العالم والرأي العام العالمي خصوصا. وجاءت تجربة السنوات الطويلة منذ انطلاق البرنامج النووي الإيراني الذي استُهدف بالعقوبات وبالاغتيالات، لتثبت وترسّخ طابعه السلمي على نقيض حملات الشيطنة الأميركية والغربية التي استهدفت هذه الدولة الشرقية الصاعدة.

إن الطاقة النووية التي تسعى الجمهورية الإسلامية لامتلاكها وتطوير برامجها وتطبيقاتها هي حاجة اقتصادية وعلمية. وجميع الاستعمالات السلمية الصناعية والطبية هي محور الاهتمام الإيراني في البرنامج النووي، وليست صناعة القنبلة. فما تريده إيران من برنامجها هو امتلاك التكنولوجيا، وهذا ما قطعت شوطا كبيرا في إنجازه. وسوف تبرهن بالتجربة في الأعوام المقبلة على إنجازاتها العلمية الطبية والصناعية من خلال استعمال متنوع للطاقة النووية في خدمة التنمية، وهو نموذج فريد تقدمه إيران للبشرية.

بينما انصبّ اهتمام عدد من دول العالم خلال عقود على امتلاك القنبلة النووية وتطوير الترسانة الحربية بهدف فرض توازن رادع يلجم عدوانية الولايات المتحدة والمعسكر الغربي، وهو ما استطاعت إيران أن تحقّقه بقوتها الدفاعية الفاعلة وبتحالفاتها مع الشعوب وحركات التحرّر، فباتت قوتها الصاعدة محصّنة بشبكة تحالفات قاهرة، توفّر لها قدرة الردع مع احتفاظها بإمكانية الانتقال الى العتبة النووية عند الضرورة في برامجها العلمية وإمكاناتها التقنية المتطورة، وهي بذلك تحصّن دورها كقلعة داعمة للشعوب وحركات التحرّر في الشرق.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى