بقلم ناصر قنديل

توماس فريدمان ومفاوضات بايدن وظريف: ناصر قنديل

خلال الأيام التي مرّت بعد اغتيال رمز الملف النووي الإيراني العالم محسن فخري زادة، حبس العالم أنفاسه وتزاحمت التحليلات حول مخاطر تدحرج المنطقة الى حالة حرب، وكثر الكلام عن خطة إسرائيلية يدعمها الرئيس دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لاستدراج ايران لردّ يقلب الطاولة ويجبر أميركا على دخول حرب الى جانب كيان الاحتلال والسعودية في مواجهة إيران، وقطع الطريق على أي إمكانية لتوجّه الرئيس المنتخب جو بايدن نحو العودة الى التفاهم النووي مع إيران، بعد دخوله الى البيت الأبيض، وكانت النخب الأميركية الديمقراطية والمساندة بقوة للرئيس بايدن أول المعنيين بما يجب عمله لتدارك هذا الخطر.

 

إيران كانت واضحة وحاسمة لجهة حتميّة الرد على الاستهداف الذي اتهمت كيان الاحتلال بالوقوف خلفه، بالتعاون مع إدارة ترامب والحكومات الخليجية المساندة، من خلال كلام علني لوزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف عن دور لقاء وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو ونتنياهو وبن سلمان في قرار الاغتيال وتوفير مستلزماته، وظهر خلال اليومين الماضيين أن هناك مساعي تحت الطاولة لحصر الأضرار والحؤول دون إعدام ولاية بايدن قبل ان تبدأ، ولا يمكن فصل بعض المواقف التي حملها الإعلام الأميركي عن سياق هذه المساعي، وإلا ما معنى الكلام المنسوب لمسؤولين كبار في البنتاغون على شبكة «سي ان ان»، عن التحذير من ان يطال الردّ الإيراني استهداف مصالح ومواقع وشخصيات اميركية، وهذا في مفهوم العلاقات الدولية بين خصوم يسمّى رسم قواعد الاشتباك، فهو إعلان أميركي عن قبول الرد الإيراني عندما لا يطال الأميركيين، وفي علم السياسة وقواعدها لا يمكن لهذا الموقف أن يصدر مجاناً، والمنطقي والطبيعي ان يكون الإعلان حاصل تفاوض قادته مساعٍ ووساطات.

بالتوازي وفي اليوم ذاته شهد العالم خبرين كبيرين، الأول هو موقف للرئيس المنتخب جو بايدن يوضح فيه للمرة الأولى القرار بالعودة للاتفاق النووي والتفاوض من داخل صيغته على سائر القضايا الخلافية، بينما كان الموقف السابق لبايدن غائماً بمزج الحديث عن العودة للاتفاق والتفاوض حول الخلافات، لجهة التزامن وحدود الأسبقيّة، مقابل وضوح المطلب الإيراني الذي يشترط العودة إلى الاتفاق قبل أي بحث آخر، وكان واضحاً أن هذا خلاف عميق بين القيادة الإيرانية وبايدن وفريقه، وفقاً لما نقله الوسطاء، وهو ما حمله رد ظريف على بايدن وفريقه بكلام تفصيلي عن عدم الحاجة لأي تفاوض يسبق العودة للاتفاق، وفيما وضع بايدن في مواقفه المعلنة الجديدة شرطاً واحداً هو التزام إيران بموجبات الاتفاق النووي عليها، كان الخبر الثاني في اليوم نفسه هو إعلان الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني عن رفضه تنفيذ القانون الذي أقرّه مجلس الشورى الإيراني برفع تخصيب اليورانيوم الى درجة الـ20%، والامتناع عن التعاون مع مفتّشي وكالة الطاقة الذرية، مضيفاً أن هذه الخطوات تتسبب بتعطيل المساعي الدبلوماسية لحماية الاتفاق النووي، ومنطقياً يستحيل أن يخرج روحاني بموقف بهذا الحجم من دون وجود ما يستحق على مستوى الجهود الدبلوماسيّة يضمن المصالح الإيرانية العليا، وترتضيه القيادة الإيرانية العليا.

هذه التطورات لا تحدث عفواً، فكيف إذا علمنا أن الذي حاور الرئيس بايدن هو الصحافي توماس فريدمان، من خلال عموده في نيويورك تايمز، واضطر لإجرائه على الهاتف، من مسافات بعيدة، علامة على إلحاح نشر المواقف بتوقيت عاجل، وبالمقابل يقول فريدمان مراراً إن علاقته بوزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف هي علاقة وطيدة تعود لثلاثين عاماً ولم تتأثر بتراجع العلاقات الأميركية الإيرانية. وفريدمان أكثر من مجرد صحافي، فهو ديمقراطيّ ومساند بحماسة لتولي بايدن مقاليد الرئاسة، وصولاً للتحذير من خطر الحرب الأهلية، وهو صاحب مبادرات سياسية من موقعه الصحافي، تجاه قضايا شديدة التعقيد والحساسيّة، ولا يمكن أن ننسى أنه مَن كتب المبادرة العربيّة للسلام التي عرفت بمبادرة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز.

– البعض يقول إن فريدمان أدار خلال أيام صعبة مفاوضات أشدّ صعوبة بين بايدن وظريف رسمت قواعد الاشتباك، بتقبّل رد إيراني لا يطال الأميركيين، وبقواعد واضحة متفق عليها تضمن العودة الى الاتفاق النوويّ، وتمّ تظهير الالتزامات المتبادلة بمواقف خرجت على الإعلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى