لجنة المال والموازنة أمام الامتحان: بشارة مرهج*
استناداً الى مسؤوليتها تجاه الدولة وماليتها العامة توقع اللبنانيون من «اللجنة النيابية للمال والموازنة» ان تساهم في إنجاح مهمة التدقيق المالي الجنائي لحسابات البنك المركزي وحسابات كلّ المؤسسات والمجالس والوزارات توصّلاً لمعرفة الحقيقة عن الانهيار المالي الذي عمّ البلاد، وتحديد الخسائر الناتجة عن هذا الانهيار وكيفية توزيع الأعباء على كلّ الأطراف بما فيها الشعب اللبناني نفسه الذي يتحمّل وحده حتى الآن وزر هذه الخسائر، في حين انّ الذي تسبّب بها يُمعن في غيّه ويتصرّف وكأنّ شيئاً لم يكن، رافضاً التحقيق الجنائي والكشف عن حساباته وكأنّ الشفافية التي يتغنّى بها هو وحُماته وشركاؤه هي مجرد كلمات وليست قاعدة مُلزمة في العمل الرسمي وخاصة في الشأن المالي.
ولما كانت لجنة المال والموازنة النيابية هي اللجنة الساهرة على الإنفاق العام والمراقِبة لجدوى هذا الإنفاق فالمتوقع منها ان تسبق الجميع في فتح الطريق لانطلاقة هذا التحقيق والتأكد من انه سيجري بدقة وموضوعية، لا أن تساهم، تحت هذه الحجة او تلك، بعرقلة هذا التحقيق وافتعال المعارك الجانبية لتهميشه.
وهذه اللجنة الأهمّ في مجلس النواب تعلم قبل غيرها أنّ حسابات الدولة كلها يجب ان تخضع للتدقيق وكلها يجب ان تكون متاحة ومعروفة للملأ، وانّ قانون السرية المصرفية ليس له علاقة بحسابات الدولة او مؤسّساتها وإنما بحسابات الأفراد والمؤسسات الخاصة. أما عندما يصل التحقيق الى حسابات هؤلاء لدى المصرف المركزي أو المصارف التجارية ويجد من الضروري الكشف عنها فهنا يتوجب على «لجنة الرقابة على المصارف» و «هيئة التحقيق الخاصة» المساهمة في العملية وفقاً لأحكام القوانين ذات الصلة.
أما إذا رأت لجنة المال والموازنة انّ القانون لا يسمح بمساهمة هاتين الهيئتين في مؤازرة التحقيق فالأحرى بها إطلاع رئيس مجلس النواب على الأمر والمسارعة الى تقديم اقتراح قانون يسدّ الثغرات ويتيح للتحقيق الجنائي أن يأخذ مجراه خاصة في مجال الهندسات المالية السيّئة الصيت، إذ أنّ الرأي العام يريد أن يعرف كيف جرت هذه الهندسات لإلزام من استفاد منها بمئات ملايين الدولارات ردّها الى مصادرها تحت طائلة الملاحقة القانونية، خصوصاً أننا أمام لحظة تشي بنضوب احتياطي البنك المركزي وإعلان عجزه عن دعم المواد الأولية لا سيما الدواء والطحين والمحروقات.
ولجنة المال والموازنة التي تتشكل من شخصيات لها باع طويل في عالم الاقتصاد والمصارف والتجارة تدرك أكثر من غيرها انه إذا كان للبنان أن يصحّح أوضاعه ويخرج من محنته فلن يكون ذلك على يد من أساؤوا الأمانة ونهبوا مال الدولة وجلبوا العار لشعب تعوّد ان يكون في طليعة الشعوب نشاطاً وإنتاجاً.
لكلّ ذلك ندعو لجنة المال والموازنة النيابية الى تحمّل مسؤولياتها ووضع الأمور في نصابها والابتعاد عن كلّ ما من شأنه زجّ التحقيق المحاسبي الجنائي في غياهب السجالات التي يعرف اللبنانيون انها تسهم في مفاقمة الأوضاع المتدهورة بدلاً من المساهمة في معالجتها.
انّ الشعب اللبناني يستحقّ هذه الفرصة وستكون مفارقة كبرى ان يُحرم منها على يد من يفترض بهم ان يمثلوه في الندوة النيابية باعتبارها أعلى هيئة رقابية في البلاد.
_ نائب ووزير سابق
(البناء)