محنة الإمبراطورية ومأزق الغرب
غالب قنديل
تشير يوميات الانتخابات الرئاسية الأميركية الى مأزق خطير تعيشه الولايات المتحدة بنظامها السياسي وواقعها الاقتصادي الاجتماعي، لدرجة بات فيها التنافس على السلطة بين الكتل المتطاحنة مصدرا لانشطار خطير في المؤسسة الحاكمة، وبصورة تكشف مأزقا هو الأول من نوعه في الديمقراطية الغربية.
أولا: الوقائع المتّصلة بالانتخابات الرئاسية الأميركية تعبّر وبقوة عن مأزق الديمقراطية الغربية، التي قامت على قمّة عملية نهب شرسة لثروات العالم، وكانت تعبيرا عن حركة تداول السلطة بين الكتل الرأسمالية المهيمنة، التي تمارس نهبا لصوصيّا لثروات الشعوب والأمم الأخرى على وجه الكرة الأرضية. وهكذا فإن محنة الإمبراطورية الأميركية وانتخاباتها الرئاسية ليست أمرا عابرا بالنسبة لنا، نحن شعوب العالم الثالث، الذين نعيش أسرى القهر والتسلّط اللصوصي الأميركي على خيرات بلادنا. والتحكّم الذي تديره الإمبراطورية الأميركية بمصائرنا، وخصوصا في الشرق العربي، حيث تدعم واشنطن الكيان الصهيوني، وتوفّر له القدرة والقوة والرعاية لآلة عسكرية مجرمة، سفكت الدماء العربية على مدى عقود، واحتلّت الأرض وشرّدت الملايين في لبنان وفلسطين وسورية ومصر، وهي في الواقع المخلب الذي يستند اليه لصوص النهب الاستعماري من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية في فرض سلطتهم وسيطرتهم على امتداد الوطن العربي. وينبغي القول إن هذه الهيمنة اللصوصية الإجرامية تشمل الاقتصاد، وتهدّد الكرامة، وتغتصب السيادة، وجميع من يتجاهلونها أو يجمّلونها أو يروّجون للتعايش معها هم عبيد الهيمنة فاقدو الكرامة، وملحقات بائسة بالسيد الأميركي، الذي يفرض أبشع لصوصية نهّابة في العالم.
ثانيا: إن الإرهاب الأميركي بحقّ البلدان والشعوب وآلة العدوان الأميركية الصهيونية في منطقتنا هي أخطر أدواته المكرّسة لفرص السيطرة اللصوصية، وتصدّع هذه السيطرة يحيي آمالا كثيرة بجدوى المقاومة والمواجهة الباسلة، التي يخوضها أحرار العالم والشرق بصورة خاصة. فالدور الذي لعبته دولنا الحرّة المقاومة كسورية وإيران وشعوبنا المكافحة، ولا سيما في لبنان وسورية وفلسطين والعراق واليمن قدّمت تضحيات جليلة لكسر المعادلات القاهرة وتحرير منطقة الشرق من العبودية الأميركية النهّابة. وهذا التحرّر هو شرط انعتاق بلادنا وتمكّنها من ثرواتها لحساب الشعوب بدلا من لصوص الغرب، الذين ينشبون أظافرهم في أجساد الفقراء والكادحين في كل مكان من هذه المنطقة وفي العالم.
التصدّع في الهيمنة اللصوصية الغربية هو بشارة تستحق الاحتفال لجميع فقراء منطقتنا ومشرّديها ولجميع المقهورين النازفين من حروب الغدر واللصوصية الأميركية – الصهيونية في تاريخ هذا الشرق.
من المبكر نعي الهيمنة الغربية على منطقتنا، بعد المأزق السياسي الخطير الذي دخلته مؤخرا، ولكن الأكيد أن صدوعا كثيرة شرعت تظهر في بنيان منظومة الهيمنة، وهذه بشارة لجميع مناضلي ومجاهدي حركات التحرّر بأن جهودهم قد أفلحت وأثمرت بهزّ الكيان الإمبراطوري المهيمن على العالم، وهو كيان لصوصي نهّاب وكذّاب، يمارس أبشع سيطرة، ويعمّم أكاذيبه لستر سرقاته وتغليف هيمنته اللصوصية بالدجل المنظّم.
ثالثا: اللصوصية الغربية بقيادة الولايات المتحدة تتصدّع في العالم وتهتز منظوماتها النهّابة، وقد تصدّعت في منطقتنا تحت ضغط كفاح شعوبنا، التي بذلت التضحيات الجسام، ودفعت كلفة غالية لكسر القيود والانعتاق من سيطرة اللصوصية الغربية البشعة. وقد وصل كفاحنا في هذا الشرق الى محطة فاصلة، تستدعي مزيدا من الصمود والتصميم على التحرّر الوطني وكسر الهيمنة الاستعمارية بأي ثمن. وكل رؤية مستقبلية لتطوّر بلداننا وأنظمتها الاقتصادية والسياسية لا تنطلق من هذه المسألة المركزية الحاسمة هي إضاعة للوقت. فلا أمل لنا، خصوصا في الوطن العربي وفي الشرق العربي والإسلامي، بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية دون التحرّر من الهيمنة. ولذلك، فكلّ انتصار نحرزه في الميدان في مقاومة الهيمنة الأميركية – الصهيونية هو حجر في قلعة التحرّر التي تحلم بها شعوب الشرق. وقد بتنا نملك مداميك صلبة لهذه القلعة، قامت على التضحيات والدماء والأرواح الغالية لمناضلين أحرار في عدادهم آلاف الشباب، الذين بذلوا أرواحهم دون تردّد خلال السنوات الأخيرة من لبنان وفلسطين وسورية وإيران والعراق واليمن، ورسموا بأرواحهم راية التحرّر لشعوب المنطقة، وحدّدوا الطريق الذي يمكن به التخلّص من الاستعمار الغربي اللصوصي وكسر مخالبه وأنيابه.
هذا هو طريق الحرية في خيار المقاومة، طريق بلداننا الى غد مشرق. وهو يستدعي توحيدا شاملا لجهود المناضلين المؤمنين بقضية التحرّر. وكل هدر للوقت خارج هذه المسألة المركزية هو خيانة لأحلام شهدائنا ولقَسَمهم في انتزاع الحرية وإنهاء الهيمنة اللصوصية.