لا تغييرات جوهرية في السياسة الأميركية أيا كانت النتائج
غالب قنديل
ينشغل اللبنانيون والعرب بالانتخابات الرئاسية الأميركية كالعادة. وتكرّس وسائل الإعلام حيّزا هاما من تغطياتها وتعليقاتها لهذا الحدث، الذي يعني العالم بأسره، نتيجة المكانة القيادية التي تحتلها الإمبراطورية الأميركية المهيمنة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا على الكرة الأرضية.
أولا: الاستراتيجية الأميركية الداعمة للعدو الصهيوني والمرتبطة بفرض الهيمنة الاقتصادية والسياسية على الوطن العربي لا يُتوقع أن تشهد تعديلات جوهرية أيا كانت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. وقد برهنت التجارب منذ اغتصاب فلسطين عام 1948، ولا سيما التجربة المستمرة في المنطقة والعالم خلال السنوات العشرين الماضية، أن درجة الإندماج بين الإمبراطورية الأميركية والكيان الصهيوني قد تشعّبت وتوسّعت، وبالكاد يمكن التمييز في المواقف والسياسات والتدابير بين ما هو أميركي وما هو صهيوني، لا بل إن يوميات الصراع العربي الصهيوني خلال العقود الأخيرة تشير الى أن الولايات المتحدة تقود بنفسها الغزوة التي تستهدف البلاد العربية، وتنوب عن الدولة العبرية في الكثير من الخطوات والجرائم الصهيونية، وبات الأمر يتعدّى حدود الدعم الأميركي.
وثمة العديد من المحطات التي شهدناها خلال النصف الأخير من القرن العشرين، تميزت بشراسة أميركية هجومية، بدا فيها حكام واشنطن فصيلا هجوميا متقدّما في الحركة الصهيونية، وقد استعصى أيّ فكّ افتراضي بين الإمبراطورية الأميركية والكيان الصهيوني، وقد عجز عملاء واشنطن في منطقتنا عن رسم صورة مغايرة رغم كلّ ما بذلوه من جهود. فجميع الوقائع تقول إن ربع القرن الأخير سجّل حركة اندماج بين الكيان العبري والإمبراطورية الأميركية.
ثانيا: لا شكّ أن الولايات المتحدة لها آليات حركتها الداخلية، وخصائصها السياسية، التي لا يمكن إدارة الظهر لضرورة دراستها وفهم قوانين حركتها لكل جهة تريد أن تضع استراتيجية سليمة في إدارة الصراع وقيادة النضال التحرّري على مستوى الشرق العربي.
ولا يمكن اختزال الأمور بالخطب الشعبوية وبالعمى الإيديولوجي الذي يختزل التناقضات، بل إن الإدارة الذكية لحركة الصراع، والقدرة على رسم الخطط والسياسات العليا من الموقع العروبي التحرّري تفترض فهماً علمياً لمعسكر العدو الأميركي الصهيوني وتركيبته وتناقضاته، دون الوقوع في أوهام المفاضلة بين التيارت الأميركية أو الصهيونية، كما حصل مع العديد من القيادات العربية، والفلسطينية بالذات، التي انتهت الى الاستسلام المشين أمام الخطط الأميركية الصهيونية المعادية.
ثالثا: إن قضية تحرير فلسطين كما بيّنت التجارب منذ عام النكبة الى اليوم ترتبط عضويا وبصورة وثيقة بعملية التحرّر الوطني في البلاد العربية، وهي التوأم الوجودي لقضية التحرّر من الهيمنة الاستعمارية في جميع البلدان العربية. ومن لا يرى الأمور بهذا الحجم وعلى هذا النحو واهم ومخطيء، فتحرير فلسطين هو مهمة بحجم الوطن العربي، تستدعي إمكانات ضخمة، وقبل كلّ شيء، ترتبط بإرادة تحرّرية وبقوة تمتلك إمكاناتٍ هائلة بحجم التحدّي القومي، وهذا معناه أن تجسيد قضية فلسطين ليس شأنا يخصّ الفلسطينيين وحدهم، وليس الانخراط العربي الموجب في عملية تحرير فلسطين مساهمة “برّانية” في قضية شعبٍ شقيق.
إن الثقافة القطْرية التي سادت في الوطن العربي، وعزلت الفلسطينيين عن بقية أشقائهم، وجعلت القضية القومية قضية مجزّأةً الى ملفات قطْرية منعزلة ومفكّكة بعيدا عن الفهم العلمي والواقعي، الذي يثبت أنها قضية واحدة أصلا ولا تحتمل التجزئة، وهذا هو الجوهري في أي رؤية تحرّرية عربية، بغضّ النظر عن حجم القوى المؤمنة بهذه الأفكار.
رابعا: إن الوعي الجديد الذي ندعو الى رفع رايته على المستوى القومي يستند الى ذخيرة ثورية هائلة، جسّدتها تجربة حزب الله في لبنان، وتجسّدها اليوم المقاومة في فلسطين المحتلة، كما تمثّلها صلابة قوى التحرّر ولا سيما الشقيقة سورية في وجه الحلف الاستعماري الصهيوني، والإنجازات التي حققّها حزب الله في لبنان، والقوى الوطنية في اليمن تؤكد أن معركة التحرّر الوطني في بلادنا العربية ليست يائسة، وأن التبدّلات المتراكمة في ميزان القوى تؤشّر الى مأزق كبير، تُقبل عليه منظومة الهيمنة والعمالة بصورة فاضحة، ولا يستر تهتكَّ المعسكر المعادي الخطابُ العنتري لفصائل العملاء المرتزقة في مختلف الساحات.
إن واقع قوة معسكر المقاومة والتحرّر، مجسّدا بسورية وإيران ولبنان واليمن وفصائل المقاومة الفلسطينية، يعكس انقلابا متراكما في موازين القوى. ولا شكّ أن إيران وسورية مقبلتان على تحوّلات اسراتيجية نوعية ستبدّل الكثير من المعطيات والتوازنات، وهذا ما ستثبته التطورات القادمة، التي ستشهد لدقة التخطيط الاستراتيجي، الذي تتقنه قيادة محور المقاومة بجميع أطرافها وقواها لإحداث انقلاب تاريخي في ميزان القوى لصالح قضية التحرّر من الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية.