كيف تسدّدُ أوروبا ديونها لسورية الأسد؟: د.وفيق إبراهيم
أكثر من مليون شهيد سوري بين مدني وعسكري سقطوا في التسع سنوات المنصرمة في التصدّي لأعنف إرهاب تدميريّ عرفه التاريخ كان يتخذ شكلاً إسلاموياً ويقتل ذبحاً وتقتيلاً منتحلاً صفة الإسلام.
هذا الإرهاب كان يرد الى سورية مباشرة او عبر البلدان المجاورة بتسهيلات من الغرب الأوروبي والأميركي بخدمات خليجية وتركية، فالمشروع الأميركي أراد في حينه تشكيل شرق أوسط جديد بتصديع الكيانات الحالية واستحداث أخرى أصغر منها تتأسس على التباينات الدينيّة والعرقية. ما يسمح للغرب بإيقاد الصراعات فيما بينها كلما استدعت مصالحه.
فشكلت أوروبا الجسر الذي أتاح تسهيل المرور للأوروبيين الإسلامويين من الشيشان وكوسوفو وألبانيا ومن ملايين المهاجرين الإسلاميين العاملين عندها والتسهيلات كانت واضحة وذلك بالسماح بنقلهم الى تركيا والاردن من دون اي شكل من الاعتراضات مع تشجيع من جمعيات متواطئة عاملة في فرنسا كانت تحضّهم على الدفاع عن الإسلام.
كما أدّت المخابرات الفرنسية النافذة في شمالي افريقيا وبعض أعماق القارة السوداء دوراً كبيراً في وضع خطة لتحريض الأحزاب المحلية المرتبطة بها، على دعوة مناصريها للدفاع عن الإسلام المضطهد في سورية والعراق كما كانت تروّج دعاياتهم.
جرى هذا العمل بالتعاون مع المخابرات البريطانية وبإدارة من المخابرات الأميركية، كان المطلوب آنذاك دفع أكبر كمية ممكنة من المنضوين في إطار جمعيات واحزاب إسلامية للذهاب الى سورية وقتال نظامها السياسي.
فتطلب الأمر تعاوناً مع الاردن وتركيا اللذين حاولا رفع منسوب دوريهما في سورية والعراق عبر تأسيس مجموعات إرهابية موالية لهما مباشرة. هذا ما نجحت به تركيا التي استفادت من انتماء نظامها الحالي الى حزب العدالة والتنمية الذي يترأس حالياً قيادة فدرالية الاخوان المسلمين في العالم.
اما الأردن فخابت أدواره لحجمه السياسي المتواضع ما فرض عليه العودة الى حدوده مذعوراً ومكتفياً بأدوار هامشية الى جانب الإرهاب.
لجهة أوروبا فأدت أدواراً مزدوجة في تحريض ودعم المجموعات الإسلامية الموجودة عندها ودفعها للحرب ضد سورية ودولتها.
كما أنها نفذت من خلال الأميركيين احتلالاً مباشراً للعراق وسورية من خلال التحالف الدولي الذي لا يزال يسيطر على أراضٍ في شرق سورية والعراق متعايشاً حتى الآن مع آخر ما بقي من الإرهاب الداعشي وتفرعاته فيهما.
ماذا كانت النتيجة؟
عبّرت سورية عن حرص شعبها ودولتها على مجابهة عنيفة للإرهاب وتغطياته الخارجية، فألحقت به هزيمة عنيفة طردته بواسطتها من سبعين في المئة من أراضيها.
فكانت دولة الأسد تقاتل القاعدة وداعش وعشرات التنظيمات المنشقة منهما، مع التغطيات والمشاريع الخارجية.
حتى زاد عدد الإرهابيين عن مئة وخمسين الف مسلح ينتشرون وسط قوات عسكرية تركية وأميركية وأوروبية ويختبئون بين ملايين المدنيين.
هذه المعارك التي أدت الى استشهاد اكثر من مليون سوري مدني وعسكري دامت تسع سنين ولا تزال متواصلة إنما بأشكال ضعيفة لأن المشروع السياسي الارهابي سقط بضربة سورية مميتة وبقيت منها بيئات كامنة بين الاحتلال الغربي وقوات «قسد» الكردية والاحتلال التركي في غرب سورية.
ما يجب التأكيد عليه هو أن سورية هي الحلبة التي أجهضت مشروع تشكيل الدولة الإرهابية الكبيرة في الشرق الأوسط القابلة للامتداد نحو معظم دول الشرق والقادرة على التأثير على أكثر من عشرين مليون مسلم من الشرق الأوسط ينتشرون في أوروبا وأميركا بالإضافة الى الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية بغالبيتهم المنتمية الى الإسلام.
لقد اعتبر الأوروبيون ان استخدام الإرهاب الإسلاموي مسألة سهلة لتحطيم سورية والعودة فيما بعد لاستخدامهم في مناطق أخرى، معتبرين أنهم آلية قابلة للانضباط في إطار المشروع الغربي لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن نجاحهم بتحريض الإرهاب على اسقاط سورية هو مشروع إرهابي أيضاً استغل به الارهاب الحاجة الغربية العميقة الى خدماته، فتمسكن مستفيداً من الدعم الغربي.
هذا الإرهاب نفسه المهزوم في سورية، والمتحول الى خلايا منفردة بدا باللعب على المسرح الأوروبي، مستغلاً انتقاد الرئيس الفرنسي ماكرون للإسلام منظماً سلسلة عمليات ارهابية ضد مدنيين أوروبيين بدأت تنتقل من فرنسا الى النمسا وتواصل انطلاقتها في محاولة لإعادة تشكيل مشروعها المهزوم في سورية.
فلتتصوّر دول اوروبا لو بدأ هذا المشروع الإسلاموي حركاته الإرهابية في بلدان اوروبا قبل هزيمته الضخمة والبنيوية في سورية، فكيف كانت النتيجة؟
ما كان بإمكان اوروبا إجراء معالجة حاسمة وسريعة، فلربما كانت انظمتها معرضة لاضطرابات عميقة مع تراجع اقتصادي عنيف.
هذا هو الدور السوري الذي ضرب البنية الاساسية لهذا الإرهاب مؤدياً خدمات للعالم بأسره وخصوصاً الجانب الأوروبي منه المليء بالتنظيمات الارهابية.
هناك اذاً ديون لسورية على القارة الاوروبية العجوز لا يمكن ترجمتها بالأرقام بل بالسياسة التي تفرض سحباً عاجلاً للقوات الأوروبية من شرقي الفرات والعراق وإعلان تدمير التحالف الدولي، مع توجيه دعم سياسي كبير للرئيس الأسد على ما أبداه من خدمات للاستقرار العالمي، ولسورية لما بذلته من تضحيات لحماية كيانها وتوفير أمان عالمي هو الآن في ذمة الأوروبيين الذين يهاجمهم ارهاب لم يعد قوياً، كما كان قبل عقد من الزمن.
(البناء)