مقالات مختارة

تدريس (لا تعلّم) عن بعد: المنهاج الرقمي لا يزال مفقوداً: فاتن الحاج

لا يختلف التعلم عن بعد في المدارس الرسمية والخاصة عن الصف التقليدي الحضوري إلا في ما ندر، إن لجهة تصميم الأستاذ للدرس أم لجهة التفاعل بين الأستاذ والتلميذ. وفيما تقارب المدارس الخاصة التدريس عن بعد على طريقتها ومن خلال منصاتها الخاصة، يتلقى معلمو القطاع الرسمي تدريباً متأخراً وتجري لململة الموارد الرقمية وتشبيكها مع المناهج بدل انتاجها

 

ضمن خطتها للتعليم المدمج لهذا العام، لم تصمم وزارة التربية منظومة متكاملة للتعليم الالكتروني تتضمن أنظمة إدارة التعلم والتعلم التعاوني غير المتزامن مع تغذية راجعة ومتابعة الكترونية وتقييم. الوزارة حسمت بأن حيز التعلم عن بعد في المدارس الرسمية لن يتجاوز 20 في المئة من وقت الأستاذ الأسبوعي، يستخدم خلاله الأستاذ والتلميذ «مايكروسوفت تيمز» (أداة للتعلم الوجاهي التزامني عن بعد) أو تطبيق واتساب أو أي تطبيق آخر، إضافة إلى الأنشطة الورقية والفروض الالكترونية المراقبة. في المقابل، يخصص 80 في المئة من وقت الأساتذة للتعليم الحضوري في الصفوف، فيما يعتمد في المدارس أسبوع حضوري وأسبوع تعليم عن بعد.

المحتوى التعليمي الرقمي المركزي لا يزال مفقوداً، وإن بدأ المركز التربوي للبحوث والإنماء، أخيراً، بتجميع الموارد الرقمية الموجودة (وسائل إيضاح مثل قواميس، صور، فيديوهات، power point، انفوغراف) على منصات (وسيط توضع عليه الموارد التعليمية) عالمية مفتوحة ومتاحة مجاناً بالعربية والفرنسية والإنكليزية وفي كل المواد، ومحاولة تشبيكها مع المناهج، أي يجري انتقاء موارد ملائمة في المحتوى والأهداف، وليس انتاج موارد مترابطة بشكل تربوي لتكون جزءاً من المناهج.

الخبير في التعليم الالكتروني ميلاد السبعلي الذي علق أعماله الاستشارية في المركز التربوي «لامتناع الوزارة عن الاستجابة للخطة المتكاملة التي وضعناها في المركز للتعلم الالكتروني»، كما قال، أوضح أن ما يحصل في معظم المدارس هو «تدريس عن بعد وليس تعليماً الكترونياً، إذ لا يأخذ في الاعتبار 25 سنة من التطور الذي طرأ على هذا النمط من التعليم، فلا يزال الأستاذ ينقل المعرفة للتلميذ في اتجاه واحد تماماً كما لو أنه في صف تقليدي، ويلزم نفسه بعدد الحصص التي يعطيها حضورياً، في حين أن هناك أنماطاً مختلفة من التفاعل مع الطلاب سواء في التعليم الالكتروني المتزامن (تفاعل مباشر بين الأستاذ والتلميذ) أواللا متزامن».

برأي السبعلي، ثمة حاجة إلى إعادة هندسة العملية التعليمية، بحيث تفكك الأنشطة التي كانت تدرس في الصف والأنشطة البيتية، بناءً على تقنيات وأساليب، ويخصص بعض الوقت للشرح والجزء الاكبر للنقاش بين الأستاذ والتلميذ، ولا يكون التعليم الالكتروني أو التعليم المدمج نسخة طبق الأصل عن التعليم الحضوري، لا سيما لجهة التحرر من فكرة سلطة الأستاذ أو التكنولوجيا واكساب الطالب مهارات التفكير الإبداعي والتفكير النقدي.

السبعلي رأى أنّه لا يجوز تحميل مسؤولية اعداد المحتوى التعليمي الرقمي للأستاذ فحسب، انما يجب أن يكون هناك محتوى مركزي يعدّه المركز التربوي، إذ ليس بمقدور الأستاذ أو المدرسة ولا حتى تجمع المدارس أن يتولى هذه المهمة.

وإذ أشار إلى أنّ العدالة بين الطلاب أساسية لجهة توفير البنى التحتية من كهرباء وانترنت، دعا إلى تشريع مرن غير سطحي للتعلم الالكتروني يسمح بالابداع والتطوير ويمنح آلية لتطوير المناهج بصورة مستمرة.

وفي حين دخلت بعض الشركات اللبنانية المعنية بالموارد الرقمية والأجهزة الالكترونية على خط «البزنس»، وهاجمت الوزارة على خلفية رفض المناقصة التي تكلّف ملايين الدولارات، نفت مديرة الارشاد والتوجيه هيلدا خوري أن تكون أي «من الشركات المتصلة بالتعلم عن بعد قد تقدمت بعرض مجاني ولم نقبله». وشرحت أنّ معوقات كثيرة حالت دون التحوّل إلى التعليم الكلي عن بعد، «إذ أنّ لبنان لم يتسلم أي جهاز كومبيوتر محمول من أي دولة مانحة أو منظمة دولية، منذ إقفال المدارس في أواخر شباط الماضي، رغم أننا أبدينا استعداداً لخفض العدد إلى النصف، ولم نحصل حتى الآن إلا على وعود إيجابية في هذا المجال». وهناك 8 آلاف كومبيوتر حصلت عليها وزارة التربية منذ أكثر من سنتين وموجودة في المستودعات نظراً لعدم شراء licences، وقد قدمت منظمة اليونيسيف الـlicences أخيراً وستوزع على غرف الصفوف في المدارس الرسمية، إضافة إلى الحاجة إلى 800 جهاز كومبيوتر إضافي أخذنا موافقة مبدئية عليها من منظمة الأونيسكو».

وفي سياق آخر، لفتت الخوري إلى إنّ وزارة الاتصالات «أبلغتنا بأنها لا تستطيع تقنياً تطبيق اللائحة البيضاء لكل المستخدمين من أساتذة وطلاب، أي أن لا تحسب الساعات التعليمية من ضمن الفاتورة، لكننا تواصلنا مع إدارة أوجيرو ووعدت بتقوية السرعة والقدرة لكل مستخدم، وتركيب شبكة انترنت في بعض المدارس الرسمية التي لم يكن يوجد فيها انترنت».

وعن التضارب في المهام بين الوزارة والمركز التربوي لا سيما لجهة تدريب الأساتذة على التعلم عن بعد، نفت الخوري أن يكون هناك أي تقاطع في الصلاحيات، «فالوزارة تتولى إدارة التعلم وليس المحتوى وتأمين الموارد التربوية الرقمية وتدريب الأساتذة الذي هو من مسؤولية المركز التربوي بالكامل». وأوضحت أن «الوزارة اهتمت بالإدارة فقط، ومنصة classera ليس فيها أي محتوى تعليمي بل تتعلق بالأعمال الإدارية في مديريات الوزارة والمناطق التربوية ومنها احتساب ساعات الأساتذة وما شابه». وأشارت إلى أن الشركة قدمت المنصة مجاناً لمدة سنتين للتعليم الرسمي وسنة واحدة للتعليم الخاص. وفي هذا الوقت، تستطيع الوزارة، وفق الخوري، وضع دفتر شروط في هذا المجال بهدوء.

لم تتسلم وزارة التربية كومبيوتراً محمولاً واحداً من الجهات المانحة

مهام المركز مفصولة عن الوزارة، كما يقول رئيس المركز التربوي بالتكليف جورج نهرا، فالمحاور التي يعمل عليها المركز هي تأمين الموارد الرقمية للأساتذة للاستعانة بها في العملية التعلمية، تدريب الأساتذة على استخدام المنصة والموارد، وإجراء الأبحاث التربوية، إذ يعد حالياً بحثاً تقييمياً للتجربة السابقة في التعلم عن بعد.

وبحسب نهرا، ما فعله المركز التربوي خلال الآونة الأخيرة وضع تطبيق للكتاب الرسمي الالكتروني crdp e-books سيكون قابلاً للتحسين بصورة مستمرة تمهيداً ليكون كتاباً تفاعلياً، كذلك أنتج المركز فيديوهات توجيهية تعليمية للأساتذة حول كيفية استخدام التطبيق وحول تقليص المناهج لجهة المعايير المتبعة. ويجري حالياً تشبيك الموارد الرقمية مع المنهج من الأول حتى السادس لوضعها على منصة DLI التعليمية،التي تسمح بالوصول إلى مواقع مجانية لفترة محدودة، في انتظار استحداث «مصنع» لانتاج الموارد الرقمية.

لدى المركز خطة تدريب للأساتذة على 6 موضوعات ستطبق ابتداء من هذا الأسبوع وتطال التعلم عن بعد بصفة لا متزامنة، كيفية التصفح بشكل آمن وفعال الموضوعات المختلفة، التدريب على منصة DLI، استكمال التدريب على «مايكروسوفت تيمز»، كيفية تصميم دروس الكترونية عن بعد بالموارد التعليمية، إضافة إلى التدريب على تقليص المناهج وتنفيذ أنشطة للدعم النفسي الاجتماعي.

(الاخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى