“سيدر أوكسيجين” لدعم الصناعة: استثمارات “ما فِش”: ليا القزي
175 مليون دولار استثمرها المصرف المركزي في صندوق «سيدر أوكسيجين»، مُراهناً على أن تكون خطوة تُشجّع المُستثمرين الأجانب على وضع المال أيضاً. صنّارة «المركزي» سُحبت فارغة، بعد أن مرّت ثلاثة أشهر على إطلاق الصندوق من دون أن يدخله أيّ دولار إضافي. فلا «الأجانب» يُريدون «مُساعدة» لبنان من دون ضمانات سياسية، ولا الصناعيون يفهمون مبدأ عمل الصندوق
أين أصبح صندوق «سيدر أوكسيجين» لإقراض الصناعيين، الذي أُطلق في 29 تمّوز الماضي، وأعلن مصرف لبنان عن استثمار مبلغ 175 مليون دولار أميركي فيه؟ بعد ثلاثة أشهر، الصندوق الذي يُنتظر منه أن «يؤثّر إيجاباً على اقتصاد لبنان ومجتمعه» – بحسب بيان «المركزي» يومها – كان هو الذي تأثّر سلباً بالأوضاع الداخلية، وغياب «ثقة» المستثمرين الأجانب بالنظام اللبناني لإقراضه المزيد من الأموال، وتراجع عددٍ من المغتربين اللبنانيين من أصحاب الثروات عن وعودهم في المُشاركة بالصندوق الاستثماري. المبلغ لم يتخطَّ بعد الـ175 مليون دولار، بما يُعدّ مؤشّراً «غير مُشجّع» حول مُستقبله، خاصة بعد أن حدّد مؤسّسوه لأنفسهم هدف جذب 750 مليون دولار، قابلة للتحوّل إلى 3 مليارات دولار، في حال جرى تشغيل المبلغ أربع مرّات في السنة. المُستغرب أن يكون المصرف المركزي قد قرّر القيام بدور لاعب في الأسواق المالية، «مُغامراً» باستثمار 175 مليون دولار من أموال المودعين في مشروع استثماري غير مضمون، هو الذي «يئنّ» من نقص السيولة بالعملات الأجنبية لديه، ويبحث عن طريقة لجذب الدولارات إلى داخل النظام المصرفي اللبناني، فعوضاً من ذلك قام بسحب الدولارات من حساباته في الخارج ليضخّها في صندوق مركزه لوكسمبورغ. المُشكلة ليست في الاستثمار، بل في توقيته وظروفه وبناءً على أي رؤية تمّ. ولكنّ الحاكم رياض سلامة لم يُحدّد خياره وفق هذه الحسابات، بل تحكّم به «هاجسُ» تأمين الدولارات لشراء المواد الأولية للصناعات التي تملك سوقاً للتصدير، فتتمّ إعادة ضخّ عائدات المبيعات في لبنان، ما ينعكس إيجاباً في أرقام ميزان المدفوعات (الفارق بين الأموال التي تدخل وتلك التي تخرج من البلد). ولأنّ لديه «مشروعاً يُحاول إنجاحه، قرّر أن يكون المُستثمر الأول حتى يُشجّع الآخرين للحاق به، ولا خوف من أي خسارة قد تطرأ، طالما أنّه قادر على استعادة المال»، كما ينقل معنيون في القطاع المالي، مُدافعين عن المشروع. ويؤكّد مدير الصندوق، ألكسندر جهاد حرقوص ذلك: «يُمكن لمصرف لبنان استعادة الاستثمار، مع إشعار مُسبق وضمن أُسس شفّافة ومُعتمدة عالمياً». حرقوص هو المُدير التنفيذي لـ«سيدر أوكسيجين»، وهو مُتخصّص في كلّ ما له علاقة بـ«إدارة المحافظ المالية»، وله خبرة في الأسواق المالية العالمية.
انطلق العمل على «سيدر أوكسيجين» بداية عام 2020، وحُدّد أول تاريخ لإطلاقه في نيسان 2020، قبل أن يُرحّل إلى تموز من السنة الحالية. تأخيرات زمنية، شكّلت انعكاساً لعقبات جوهرية. القرار به اتُّخذ في أول جلسة للمجلس المركزي لمصرف لبنان الجديد، وقد كُلّف نائب الحاكم الرابع، ألكسندر موراديان مُتابعته. «النقاش حوله كان سريعاً، وأُعطيت الموافقة عليه بما يُشبه التزكية، على قاعدة أنّ الاتفاق بين وزارة الصناعة وجمعية الصناعيين ومصرف لبنان، تمّ قبل انطلاق عمل المجلس المركزي»، تقول مصادر الأخير. بداية المُلاحظات التي يُسجّلها خُبراء ماليون مُغتربون، أنّ إنشاء الصندوق تمّ بالتراضي، مُتسائلين عن عدم قيام مصرف لبنان باستدراج عروض، «وفتح باب المُنافسة للحصول على المشروع الأفضل بالشروط المُناسبة، طالما أنّ المركزي الذي يُعاني من احتياطات سلبية بقرابة الـ54 مليون دولار أميركي قد استعان بأموال المودعين ليستثمر في مؤسسة خاصة محدودة المسؤولية». بالإضافة إلى ذلك، يُسحب من مجمل المبلغ الموجود في «سيدر أوكسيجين» سنوياً رسوم إدارية «بنسبة 1.75%، أي أنّه إذا لم يُضَف أي مبلغ إلى الـ175 مليون دولار، سيُسحب منه قرابة الـ3 ملايين ونصف مليون دولار سنوياً في كلّ فترة تشغيل الصندوق»، ما يعني تقلّص دولارات المودعين المُستثمرة. أما «المأخذ» على «سيدر أوكسيجين»، فأنّه خلافاً لما ظُهّر كـ«حلّ» لتأمين التمويل لشركات التصنيع اللبناني الذي سيؤدّي إلى «تقليص نسبة الفقر وخلق الوظائف» (كما جاء على الموقع الإلكتروني للمشروع)، وبما يوحي بأنّ كلّ القطاع الصناعي سيستفيد من التسهيلات، تبيّن أن الشريحة المُستهدفة هي حصراً تلك التي لا يُعاني من تعثّرات مالية، ومن يستطيع تأمين 30% من قيمة القرض بالدولار النقدي. يردّ حرقوص لـ«الأخبار» بأنّ وضع برنامج لمساعدة كلّ القطاع في لبنان هو «مسؤولية وزارة الصناعة، نحن لا نُفضّل أي صناعي على الآخر، لكن ندرس ملفات الصناعات الناتجة. نريد المساعدة على بناء اقتصاد مُنتج لا ريعي، وهمّنا حماية أموال المستثمرين، خاصة المصرف المركزي، لأنّها أموال الشعب اللبناني».
لماذا لُزّم المشروع له بالتراضي؟ يُجيب حرقوص: المصرف المركزي كان يبحث داخلياً ومع شركات عدّة عن طريقة لحلّ أزمة الصناعيين، «قدّمنا طروحات وخططاً وخضعنا لعشرات المقابلات مع المسؤولين في مصرف لبنان». بعد تعيين نوّاب الحاكم الأربعة، اجتمع حرقوص بهم، «ووقّعنا عقداً مع المركزي يُتيح له المراقبة كلّ ثلاثة أشهر كمُستثمر فقط، ونعقد معه اجتماعات دورية، وهو يحصل على فائدة لقاء الاستثمار (في حال سُجّلت أرباح في الصندوق) تقلّ عن الـ5%، ولكن نحن مُستقلون بالقرار». مُشكلة تحويلات «الفريش دولار» إلى البلد، والاعتمادات للتجارة هي «الحُجّة» المُقدّمة من «المركزي» لعدم تأسيس الصندوق في لبنان. وهذا الصندوق «يتقاضى أقل من 1% كمصاريف إدارية وليس 1.75%، فضلاً عن أنّنا نُحوّل الأرباح التي نُحقّقها إلى الصندوق»، كما يوضح حرقوص.
الصناعيون غير قادرين على تحديد مصلحتهم بالعمل مع الصندوق
حتى تاريخه، وصل إلى «سيدر أوكسيجين» 20 طلباً من صناعيين «مُعظمهم مُتخصصون في صناعة الآلات والأغذية الزراعية والزيوت». أليس العدد قليلاً؟ يعتقد عضو مجلس الإدارة في جمعية الصناعيين، بول أبي نصر أنّه «بالتأكيد سيُعدّل في طريقة عمل الصندوق، لأنّنا نُلاحظ وجود قسم من الصناعيين غير قادرين على تحديد إن كان لديهم مصلحة بالتسجيل فيه». فطريقة عمل الصندوق تقوم على تقديم تسهيلات للصناعيين، «الذي يُرسل لنا لائحة بالمواد التي يحتاج إليها ومن أين يشتريها ونحن نُسدّد الثمن ونُرسلها إلى لبنان»، يشرح حرقوص. إذا كانت البضائع للاستهلاك المحلي، «يتم تسديد القروض بالليرة اللبنانية، تُخصّص لتقديم قروض للصناعيين الذين لا يُصدّرون بضائعهم». أما إذا أُعيد تصدير البضائع، «فيُسدّد الصناعي قيمة القرض بالدولار، ويُتاح له إيداع عائدات الصادرات في الصندوق مقابل فوائد تُراوح بين 4% و5%». يقول أبي نصر إنّ الصناعيين «لم يفهموا بعد الجدوى من ذلك، وبأنّ الصندوق هدفه تأمين التمويل، بعد أن خسرنا نسبة من التصدير جرّاء عدم القدرة على تأمين الدولارات»، مع إشارته إلى «انخفاض الطلب على المواد الأولية في الشهرين الماضيين بسبب الأزمة وكورونا».
إذا كان مفهوماً «حذر» الصناعي من التعامل مع «سيدر أوكسيجين»، فما المُبرّر لعدم جذب أي استثمار؟ بداية إطلاق المشروع، تزامنت مع إعلان حكومة حسّان دياب عدم دفع سندات الدين بالعملات الخارجية، «فكان الجواب يأتي من مؤسسات استثمارية بأنّه كيف تُريدون منّا الاستثمار والدولة لن تدفع؟»، يُجيب حرقوص. في مرحلة لاحقة، «قيل لنا فلينطلق العمل بالمشروع وبعدها نُشارك». حالياً، يتم التواصل مع «قرابة 30 مؤسسة مالية وصناديق أصول ومستثمرين. يطلبون إصلاحات، استقراراً، وعودة الثقة في القطاع الخاص أولاً». كيف سيُكمل «سيدر أوكسيجين» إذاً؟ يردّ حرقوص بأنّه «إذا لم تحصل زيادة في المبلغ المُستثمر، نكون قد فشلنا».
هيكلية «سيدر أوكسيجين»
يتألّف فريق العمل في صندوق «سيدر أوكسيجين» من 16 شخصاً، موزعين بين لبنان وفرنسا مُتخصصين في مجالات القروض وخدمات التبادل المالي والتكنولوجيا المالية. من شركاء المشروع: مصرف لبنان، بنك العرب – سويسرا، «نورتن روز فولبرايت – Norton Rose Fulbright»، مكتب قرطباوي وكنعان للمحاماة، «ديلوييت – Deloitte». أهداف الصندوق مُحدّدة بـ: خلق شبكة للصناعيين لتسهيل ولوجهم إلى أسواق جديدة، العمل في لبنان مع مختلف المعنيين بالقطاع الصناعي، تحريك الملحقين الاقتصاديين في العواصم لفتح أسواق جديدة وتطوير الصناعات. الموافقات على قروض الصناعيين تُتّخذ بعد اجتماع لجنة الاستثمار والائتمان، التي تتّخذ قراراتها بالإجماع، وتتألّف من خبراء لبنانيين وأجانب.
(الاخبار)