نادي رؤساء الحكومات السابقين أو “مجلس التعطيل”…!: د. عدنان منصور*
كثر الحديث في الأسابيع الأخيرة، عن نادي رؤساء الحكومات السابقين، وكأنّ هذا النادي، المولود الهجين الجديد، بمثابة مجلس «حكماء»، أراد لنفسه أن يكون الوصيّ المباشر، والحريص كلّ الحرص، على تعيين او اختيار رئيس حكومة للبلاد. هذا المجلس أياً كان عدده، يريد ان يؤسّس عرفاً، ونمطاً، وسلوكاً جديداً في لبنان، وما أكثر التسميات والأعراف السياسية التي تتناسل وتتناسخ في هذا البلد الموبوء بالأزمات والمشاكل، ليصبح لهذا المجلس في ما بعد الكلمة الأساس والفصل، في اختيار وانتقاء وتسمية المرشحين، لتشكيل أيّ حكومة جديدة، أو عندما تدعو الحاجة، استخدام حق النقض، أو الرفض، أو حجب الثقة عنهم، ومحاصرتهم، أو إفشال وإجهاض أيّ محاولة منهم فيما لو خرجوا عن طاعتهم وإرادتهم، وإملاءاتهم، وتوجيهاتهم.
مجلس مثير، عجيب غريب، لم تشهد دول العالم مثيلاً له، في فذلكته، وتركيبته، وأدائه، وغايته، والذي يضمّ عدداً من «الأخيار الفضلاء»، حيث شهد اللبنانيون في زمن حكوماتهم، «مدينة الفارابي الفاضلة»، التي يُحتذى بها، ويشهد لها القاصي والداني، والصديق والعدو، وكلّ مؤيد لها ومعارض.
ولعل فؤاد السنيورة أحد أركان هذا النادي، هو واحد من أبرز الشخصيات الفذة لنادي رؤساء الحكومات السابقين، الذي جسّد حقيقة لا لبس فيها ولا جدال، وهي قمة النزاهة، ونظافة الكفّ، والأداء السليم، والزهد في الحياة الدنيا، والإيمان العميق، والترفع عن الماديات والصفقات، والمال الحرام.
لكن السؤال الذي يراودني: ماذا لو أنّ نادي أو مجلس أو منتدى، رؤساء الحكومات السابقين _ سمّه ما شئت _ أطال الله بعمرهم جميعاً _ الذين تجمعهم روح الأخوة الصادقة، والنوايا السليمة الطيبة المشتركة تجاه بعضهم البعض، والمصلحة الوطنية الواحدة، والتنافس والتزاحم في ما بينهم لخدمة الشعب، والترفع عن مصالحهم الشخصية، واستعدادهم الدائم، للتضحية بمالهم وبأنفسهم في أيّ وقت، غير مكترثين بمنصب أو إغراء كرسي، تأكيداً وحرصاً وحفاظاً منهم على مصلحة الوطن والمواطن. أعود وأتساءل: ماذا لو اقتصر النادي على شخصية واحدة فقط، كفؤاد السنيورة مثلاً، أمل اللبنانيين باستمرار، ومُلهم المواطنين وحبيبهم، ومثلهم الأعلى، وأملهم الكبير! فهل هو الذي سيقرّر لوحده وفقا للعرف الجديد، تسمية رئيس حكومة عتيد، يتمتع بصفات مثالية، متميّزة يريدها للمرشح، تتطابق مع الفضائل الحميدة لفؤاد السنيورة، الذي سينقلنا مع من يختاره إلى عالم جديد، في رحاب جمهورية أفلاطون!
سؤال برسم المتبحّرين في التقاليد والأعراف السياسية اللبنانية، والبدع، والفذلكات العجيبة، والتشكيلات الهجينة، والابتكارات الحكومية المعقدة، التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
ها هو اليوم، مصطفى أديب الذي اختاره وتبناه نادي رؤساء الحكومات السابقين، يعتذر عن تأليف الحكومة، حيث لم يسمح له النادي العتيد أن يتحرك بإرادته الحرة المستقلة، وإنما ظلّ أسيراً في يد أقطاب النادي، يشيرون، ويوجّهون، ويعترضون، ويحجبون، فكان المكلف بتشكيل الحكومة، وسط ناد قلبه مع مصطفى أديب، وعيون أعضائه ولعابهم يسيل على الحكومة.
فماذا بعد مصطفى أديب؟! وما الذي ينتظره لبنان من أقطاب النادي في اختيارهم لمرشح جديد لا يريدون له مطلقاً أن يخرج من جلبابهم، لتكون لهم الكلمة الفصل، أياً كانت نتائجها، وإنْ تعارضت مع مصلحة الوطن واستقراره، طالما انّ هذا النادي بدوره لن يخرج عن إرادة وتوجهات وإملاءات قوى خارجية، تفعل فعلها على الساحة اللبنانية، بطرق وأساليب عديدة، عبر أطراف وهيئات وشخصيات عديدة، وأصدقاء وحلفاء تستخدمهم مطية عندما تدعو الحاجة.
فبعد اعتذار المكلف، هل سيستفيد أقطاب النادي من تجربة مصطفى أديب وفشل التشكيل، أم سيستمرّون في نهجم وأدائهم السابق، ويمعنون في التعطيل؟! وهل التعطيل الذي كان النادي أحد أبرز أسبابه، يهدف من ورائه جرّ الخارج إلى فرض المزيد من الضغوط والعقوبات، على طرف لبناني رئيس وتحميله مسؤولية فشل تأليف الحكومة، وحمله على التنازل، والرضوخ لإرادة ومطالب النادي، وما يخطط له ويرسمه وينسقه مع حلفاء الداخل والخارج؟! وهل الوطن اللبناني، بعد فشل التأليف، سيسلم من الهزات التي تحيط به من كلّ جانب وتهدّد أمنه، واستقراره، وسيادته، ووحدة شعبه، والتي لم يعد باستطاعته أن يستوعب الحدّ الأدنى من درجات قوتها، بعد ان تهاوت في لبنان كلّ مقوّمات حياته الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية، وفوق كلّ ذلك، المعيشية وانعدام ثقة المواطن بالطبقة السياسية الفاسدة، ويأسه من غده ومستقبله؟!
أيها «الغيارى» على لبنان، لا تدعوه ينهار ويسقط، ويتحلل أمام عيونكم وسياساتكم الكيدية، لأنّ عنادكم ورهانكم واعتمادكم على الخارج، لن يوفر لكم ما تريدون ويريده معكم، بل سيزيد من تفاقم الأزمة الخطيرة، وارتداداتها المدمّرة التي ستطال الجميع ولن تستثني أحداً.
فأين نادي «الحكماء» من كلّ ذلك؟!
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق
(البناء)