ماكرون وإعادة ترتيب الأوراق بانتظار الانتخابات الأميركيّة: ناصر قنديل
– خلافاً لما كانت عليه توقعات المروّجين لفرنسا الأم الحنون وفاعل الخير، عن لجوء الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون لإعلان سحب مبادرته عن الطاولة، جدّد ماكرون شباب مبادرته، مؤكداً ما قاله الذين يؤمنون بأن لا مشاعر في سياسات الدول بل مصالح، وأن ما دفع الرئيس الفرنسي نحو بيروت ليس الحب ولا الشعر ولا فيروز، بل المصالح، ولذلك لن يتراجع عن قرار التمركز على شاطئ المتوسط المليء بالغاز لأنه تحقق من اعتذار مصطفى أديب، ولن يترك تداعيات مخاطر انهيار اقتصادي في لبنان، تنتج ما يصيب الأمن الأوروبي وهو يرى بأم العين قوارب النازحين ونشاط الجماعات الإرهابية، بصورة متصاعدة، ولن يتخلى عن مقاربة أوروبية تتقدمها باريس نحو اعتماد الاحتواء مع محور المقاومة، من إيران إلى حزب الله، بدلاً من المواجهة التي تسلكها واشنطن، ليس حباً بالمقاومة ولا تشاركاً معها بأهدافها، بل لتقدير مختلف لمخاطر منهجي الاحتواء والمواجهة عن التقدير الأميركي الذي تتشارك فيه «إسرائيل» والسعودية». وهو يرى كيف تستثمر تركيا على الفراغ الناشئ بفعل سياسة المواجهة، وكيف تدفع فرنسا مزيداً من التراجع بفعل اتساع مساحات الفراغ ودنوها من لبنان، بالتوازي مع دنو الخطر التركي.
– المبادرة الفرنسيّة لا تزال على الطاولة، ولن تسحب، وستبقى، كما قال ماكرون، وخريطة الطريق الجديدة، تقوم على تأجيل المواعيد، من اجتماع الدول الداعمة إلى المؤتمر الدولي، بانتظار حكومة جديدة، تنفذ المهمة التي كانت مرصودة لحكومة مصطفى أديب، ومواصلة المساعي ترافقها مواقف توضح مكانة فرنسا السياسية، من خريطة محلية وإقليمية ودولية، فرنسا تحمّل الرئيس الحريري وشركاءه في نادي رؤساء الحكومات السابقين مسؤولية الفشل بالتلاعب بالتوازنات الطائفية، وتحمل حزب الله والثنائي الذي يضمّه مع حركة أمل مسؤولية التشدد بالشروط بعد تراجع نسبي للحريري، وفرنسا لا تلاقي إيران والسعودية وتركيا في مقارباتها، وتجد في العقوبات الأميركيّة تشويشاً على مبادرتها، ورغم الانطباعات التي ولّدتها بعض التعابير السلبية بحق حزب الله، يمكن لمن يعلم بأن الكلام الفرنسي يُقال في بيئة سياسية غربية وعربية تدعو فرنسا للانخراط في المواجهة مع حزب الله، أن يعتبر أن الرسالة التي حملها كلام ماكرون يتضمنها كلامه في الشق الذي رفض فيه المواجهة مع حزب الله، وليس في الشق الذي تضمّن الانتقادات.
– مرر ماكرون خلال كلامه تعديلاً على التصور الذي انطلقت المبادرة على اساسه، فكان واضحاً بين سطور أقواله، أن الهوية الطائفية السياسية للجهة التي سينبثق منها اسم الرئيس المكلف ستفرض بالتوازي هوية موازية طائفياً وسياسياً لتسمية الوزراء، بحيث يستدعي التمسك بحكومة بعيدة عن الأحزاب، ضامنة لموافقتها، سحب مهمة التسمية للرئيس المكلف من يد رؤساء الحكومات السابقين والرئيس السابق سعد الحريري، لصالح تشاور على اسم مقبول من الجميع، يوازيه تفاهم مشابه على أسماء الوزراء بالتشاور، بحيث يكون التكليف والتأليف أقرب للتزامن منعاً للمطبات، والفخاخ، وذلك كله مشروط بتغطية إقليمية ودولية أعلن ماكرون عن السعي لتوفيرها، وفي حال الفشل، هذه المرة لن تسحب فرنسا مبادرتها عن الطاولة بل ستعدّل وجهتها من الحكومة إلى الحوار الوطني نحو تعديل النظام السياسي، وهو ما يستدعي وقتاً في منطقة سريعة التقلب وكثيرة الأزمات، ومن دون أن يقول ماكرون ذلك، كانت مواقيته الجديدة على عقارب ساعة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وما ستقوله حول وضوح الصورة أو غموضها أكثر.