أسئلة شديدة الملوحة تفرضها العقوبات الأميركيّة: ناصر قنديل
– السذج والأغبياء والعملاء يلتقون في هذه الأيام عند تبسيط العقوبات الأميركية التي استهدفت عبر الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، الكثير الكثير أبعد منهما، ويرغبون بتصويرها بأحد عنوانَيْ الفساد أو العلاقة مع حزب الله، أو كليهما. فالسؤال الأول حول الفساد لو أخذنا بما ورد في القرار الأميركي، لماذا لم يتضمن القرار الأميركي أي وثيقة أو اي أرقام أو اي مراجع طالما أنه معني بإثبات مصداقيته، ولا توّجته مطالعة معللة للجهات اللبنانية القضائية والمصرفية تبرر القرار ومندرجاته، طالما أننا نتحدث عن عقوبات، والعقوبات إجراء قضائي معلل. والسؤال الثاني هو، لو سلمنا جدلاً كما يرغب الفرحون بالقرار والمطبّلون للقرار الأميركي، ماذا لو كانت تهمة الفساد غير مقرونة بالتهمة الثانية هل كانت العقوبات لتصدر أصلاً، وكل ما فيها بما في ذلك تهمة الفساد مربوطة بالتهمة الثانية أي العلاقة بحزب الله، مرة بتلقي الأموال منه ومرة بتسهيل حصوله على الأموال، بصورة تنسف واحدة الأخرى، ما يعني بلا مواربة أن العقوبات سياسية، فهل هي فعلاً تتصل بتهمة العلاقة بحزب الله؟
– الأغبياء سيقولون نعم إنها عقوبات على الفساد، أما العملاء فسيقولون بلغة أقوى إنها عقوبات على العلاقة بحزب الله، ويبقى للسذج أن يقولوا إنه انتقام عجز عنه القضاء اللبناني لحساب الناس التي فقدت ودائعها وتفقد مقومات الحياة في ظل فئة حاكمة ينتمي المعاقبون إليها، لكن كل هؤلاء يغمسون خارج الصحن، فالسؤال الشديد الملوحة، الذي سيبقى طعمه في حلوقنا وحلوق شعوب كثيرة، ماذا عن عقوبات مماثلة على شخصيات روسية لها ملف موحّد عنوانه، المقربون من الرئيس فلاديمير بوتين من رجال الأعمال الروس، ومثلها شخصيات صينية لها ملف عنوانه، رجال التقنيات الحديثة، وشخصيات إيرانية لها ملف عنوانه، رجال البحث العلمي، وهي ملفات تتولى المخابرات الأميركية إعدادها بالتعاون مع شخصيات وأطراف محلية في كل بلد تنصاع للسياسات الأميركية، وتنتظر عائدات التدخل الأميركي بشكله الجديد بدلاً من الحروب، لإعادة تشكيل السلطات في بلاد العالم، لتتولى وضعها في الحكم؟
– جرّب الأميركيون الحروب كطريقة لإعادة تشكيل السلطات في العراق وأفغانستان، فقتلوا القيادات وحلّوا الجيوش والأجهزة الأمنية، واحتلوا البلاد وفرضوا حكاماً عليها بقوة الاحتلال، واكتشفوا سرعة تفكك ما قاموا ببنائه، وأكلافه العالية، وتحلل المجتمعات وولادة أعباء من نوع جديد تفوق قدرة الإدارات الأميركية على تولي إدارتها، وجرب الأميركيون بعدها ما سُمّي بالحروب الناعمة وما تتضمنه من ثورات وفتن وحروب أهلية، ولم تكن النتيجة مختلفة، بين فشل في تحقيق الأهداف وانقلاب الأوضاع إلى عكس الأهداف كحال سورية، او استيلاد أزمات ومحن وفتن وفوضى تصعب إدارة تداعياتها، كحال ليبيا، وهم اليوم، يتخذون لبنان نموذجاً لاختبار بديل جديد، بمثل ما كانت سورية نموذج اختبار الحرب الناعمة، وبمثل ما كان العراق نموذج اختبار الحرب الخشنة، فإن لبنان نموذج لاختبار الحرب البديلة.
– الحرب الجديدة، التي لها عنوان الفساد والعلاقة بحزب الله في لبنان، لها عناوين أخرى في روسيا والصين وإيران وبلاد العالم التي ستكون أوروبا لاحقاً ميداناً لها عندما تعتمد التجربة كنموذج قابل للتكرار، هي حرب إعادة تشكيل السلطات في بلاد العالم وفق دفتر الشروط الأميركي، تمهيداً لمطالبتها باتخاذ القرارات التي تلبي المطالب والمصالح الأميركية، فتحت سيف العقوبات والإغراء بجزرة المعونات يُعاد تشكيل المشهد الإعلامي الذي تتصدّره المؤسسات التلفزيونيّة، والتي يتسيّدها رجال أعمال، يقيمون ألف حساب للعقوبات، ومثلهم رجال الأعمال الطامحون للسياسة، والجمعيات الأهلية المنغمسة في السياسة، ثم تتكفل العقوبات برسم معايير صارمة لمن يسمح بتوليهم مسؤوليّة الشأن العام، فتصل الدولة، أي دولة، بعد مسار شبيه بما يجري في لبنان، إلى معادلة قوامها أن يضع كل متطلع لممارسة الشأن العام، إلى كيف لا يكون على لائحة العقوبات، فهل يعقل أن يتولى الرئاسة من يرد اسمه في لائحة عقوبات الدولة الأعظم في العالم ويتعرّض بسببه بلده للحصار الذي يتحوّل تجويعاً، وكيف تسلم الدولة وزاراتها لمن سيقاطعهم الأميركي لأنهم على لوائح عقوباته، وتدريجياً سيتطبّع المشهد السياسي مع الخضوع، ويستسلم للترويض، بين إعلام ونيابة ووزارة ورئاسة وقادة عسكريين وأمنيين وقضاة، نالوا بركة الاستبعاد عن لواح العقوبات، ليس هذا شأن خاص بلبنان، بل استراتيجية حرب بديلة تُختبر في لبنان.
– السؤال الشديد الملوحة الأهم هو ماذا بعد، بعد سيقول الأميركيون للطبقة السياسية التي يتولى الإعلام حمايتها بقوة السيف المسلط على الرؤوس واليد المدودة إلى الجيوب ذاتها، هذا هو دفتر الشروط، وهو لبنانياً، لا يخص علي حسن خليل ولا يوسف فنيانوس، بل كل اللبنانيين، ودفتر الشروط اللبناني أميركياً، يبدأ بترسيم البحر وفق المصالح الأميركية، وينتهي بتوطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، مروراً بالتطبيع وفقاً للوصفة الإماراتيّة، والإمارات كانت بالمناسبة النموذج السري لاختبار سلاح الحرب الجديدة وقد أثبت فعاليته. وها هي الثمار تنضج أمامنا، فهل ينتبه السذج والأغبياء لما نحن مقبلون عليه، ويرتدع العملاء عن التذاكي، ولتكن الإجابة مباشرة على الأهداف وليس على الوسائل؟