هل تتجاوز حكومة «أديب» المرتقبة الجمهوريات الثلاث؟: د.وفيق إبراهيم
هذه مهمة شديدة الصعوبة، لأن الجمهوريات الثلاث تشكل النظام السياسي اللبناني بمركزيته الداخلية الطائفية وانصياعه للخارج الإقليمي والدولي.
فكيف يمكن إذاً لحكومة قيد التشكيل ان تجابه قوى طائفية متجذرة في قوتها وعميقة اجتماعياً، فيما هذه الجمهوريات هي التي تتفاوض اولاً في ما بينها وثانياً مع الخارج الفرنسي لاختيار وزراء أديب؟
هنا تكمن الحبكة وهي ذات بعدين: الأولى من أين نأتي بمستقلين، وثانياً: هل لهم المقدرة على تجاوز القوى التي اختارتهم في الداخل والخارج؟
تأتي هذه التساؤلات تماهياً مع شعور شعبي كبير يصرخ مطالباً بحكومة من مستقلين وأكفاء، وهذا مطلب مشروع لكنه لا يأخذ في عين الاعتبار بأن الدولة اللبنانيّة منهارة لكن الطبقة السياسية الطائفية لا تزال تزاول أعمالها وكأن شيئاً لم يكن.
هذا بالإضافة الى أن هناك آليات دستوريّة وسياسيّة للاختيار، تمسك بها هذه الطبقة السياسية، ومعمولاً بها في كل عمليّات تشكيل الحكومات في العالم، فالمستقلون ليسوا موجودين في الشارع وهناك إذاً من يختار وزراء غير حبّيين لديهم بالطبع أهواء سياسيّة.
بما يفرض دفع الضغط الشعبيّ العارم الى المطالبة بحكومة غير حزبية فيها اختصاصيّون أكفاء تعمل ضمن آليات متنوّعة تضبط العمل الحكومي وأداء وزراء أديب في إطار الأداء المكشوف.
للإشارة، فإن الحكومات في العالم تجسّد فريقاً سياسياً انتصر في الانتخابات النيابية على حساب فريق خسر الانتخابات وأصبح معارضاً.
فتتولى المعارضة المراقبة الدقيقة لأداء الحكومة وتتابعها في أدق التفاصيل.
هذه هي الطريقة المعتمدة في كامل العالم السياسي باستثناء العالم العربي، حيث تختار السلطة حكومة تواليها، ولا تمثل الطموحات الشعبيّة، فلا يعرف أحد متى جرى تعيينها وكيف ترحل.
لجهة حكومات لبنان فتشكيلها يدخل في باب العجائب لأنها تجسّد الانتخابات النيابية والميثاقية واتفاق الدوحة، ما يؤدي إلى إنتاج حكومة فيها القوى الاساسية من كل الطوائف والمذاهب المنتمية الى الموالاة والمعارضات والوسطيين، والذين يبدلون الرادرات الخارجية والداخلية التي يمتلكونها.
قد لا تسلك حكومة الدكتور مصطفى اديب هذا السياق المتعارف عليه، لكنها لا بدّ من أن تلتزم بالضوابط الميثاقية، الطائفية، مع استمزاج آراء الكتل الكبرى من المستقبل – الحريري وحركة امل والتيار الوطني الحر وحزب الله وبعض التحالفات الأخرى ومن تتوسم به السياسات الفرنسية والأميركية قدرة على جذب التأييد السعودي.
لذلك فإن خرافة الاستقلالية نوع من المزاح السطحي، بما يدفع الى البحث عن وسائل أكثر عمقاً لفرض الاستقلالية المنتجة على الحكومة المقبلة.
فإذا كانت المعارضة غائبة عن المراقبة فيجب ابتكار انماط جديدة غير متعارف عليها في لبنان لبلورة أداء حكومي يعمل على مجابهة انهيار خطير، ويضع لبنان في قعر الهاوية.
اما المعارضة التي تجسّدها القوات اللبنانية، فهي معارضة بيولوجية دائمة سببها إصرار الحكيم جعجع على الاستئثار بالشارع المسيحي. وهذا يفرض عليه معارضة أي حكومة تضم منافسيه في التيار الوطني الحر داخلياً، أما خارجياً فحزب القوات الحريص على استمرار التغطية الأميركية ـ السعودية التي يتمتع بها فإنه يرفض أي دور حكومي لحزب الله، مواصلاً الإصرار على تجريده من سلاحه. ما يجمعه بالموقفين الأميركي والسعودي المؤيدين من الاسرائيليين.
كيف يمكن إذاً ضبط الحكومة المرتقبة بالمعايير الوطنية المطلوبة إزاء هذا الوضع الداخلي الفاسد؟
هناك برنامج تضعه الحكومة، ويتعلق بالإصلاحات وإعادة الإعمار واستئصال الفساد وإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية لاحتواء نصف اللبنانيين المهددين بجوع فعلي، وقد يبلغون أرقاماً تتجاوز ثلثي السكان على الأقل.
هناك إذاً سباق فعلي بين الحكومة المرتقبة والانهيار الاقتصادي المتفاقم المرتبط نجاحه بقدرة الوزراء على إنجاز مشروع حكومتهم من دون أي تأثر بالجمهوريات الثلاث.
وهذا التعبير ناتج عن اتفاق الدوحة في 2006 الذي أنتج عرفياً مساواة سياسية كاملة في النفوذ بين الموارنة والشيعة والسنة، فأنتج تلقائياً ثلاثة مراكز متباينة على الحصص ومتوافقة على المعطى العام المؤكد لهيمنتها.
إن بدء العمل بهذه الثلاثية أوصل البلاد الى إفلاس كامل وانهيار اقتصادي فادح وسقوط سياسي كبير للدولة. وهذا ما تعمل السياسة الفرنسيّة على منعه عبر التجديد للنظام السياسي بأقل قدر ممكن من الفساد.
هل هناك مَن يحمي حكومة أديب من هذه الجمهوريات؟
إنها المراقبة الدقيقة واللصيقة لكيفية تطبيقها لبرنامجها، وهي مراقبة يجب أن تواكبها الحكومة بتوضيح سبل إنفاقها للمال العام وتعاملها مع اللبنانيين بمساواة وطرق مكافحتها للفساد في إدارات تعشعش فيها الزبائنية والمحسوبية واللصوصية، هذا الى جانب كشف دقيق لكل حركة المال من المصدر المدين الى مراكز الإنفاق في المناطق التي تؤدي إعادة إعمارها الى إعادة تنشيط الاقتصاد اللبناني المنتج والعامل في خدمة منع التدهور الشعبيّ.
هناك أدوار كبيرة لوسائل الإعلام، لكن المشكلة في عدم وجود إعلام حر غير منصاع للأحزاب، إنما يمكن هنا الاعتماد على التنافس الحزبي للاستفادة من متابعاته للأعمال الحكومية، عبر وسائل الإعلام الى جانب دور الجمعيات المدنية والتنظيمات والمنابر المحترفة، ونواب مستقلين وإعلام خارجي متابع، هناك الكثير من أدوات مراقبة الأداء الحكومي، وهذه أفضل وسيلة تحدّ من حريات الحركة «للجمهوريات الثلاث» في لعبة استنزافها للمال العام.
من الممكن ايضاً المراهنة على الدور الفرنسي صاحب المصلحة بنجاح حكومة أديب التي يعتمدها كوسيلة لدوريه اللبناني والإقليمي. بذلك تجتمع السياسة الفرنسية مع الوسائل الشعبية والإعلامية المعبرة عن اللبنانيين، لتنظم أعمال الحكومة في إطار من الاستقلالية المنتجة التي تستطيع تهيئة لبنان لمقاومة الانهيار وتوفير الشروط الأولى في رحلة الألف ميل لإنقاذ لبنان.
(البناء)