بومبيو وتأكيد التفاهم مع ماكرون حول لبنان
غالب قنديل
شكل تصريح وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الداعم لمبادرة ماكرون في لبنان بما فيه من تأكيد التنسيق المسبق بين واشنطن وباريس اعترافا واقعيا بكون ما شهدناه مؤخرا كناية عن انعطافة غربية بقيادة الولايات المتحدة اوكلت إلى فرنسا للحفاظ على النفوذ الغربي في لبنان ولجم التحول الذي لوحت به المقاومة للتفلت من الخنق الاقتصادي الذي ألمح ماكرون لاحتواء آثاره دون ان يتعهد حتى اليوم بتفكيك قيوده.
أولا لم يتطرق الرئيس الفرنسي إلى العقوبات الأميركية المفروضة على لبنان ورغم انفتاحه السياسي على قيادة حزب الله وكلامه الإيجابي عن دور الحزب وعن مكانته السياسية وحجمه التمثيلي فقد حافظ على لغة غير ودية إزاء دوره المحوري كمقاومة في مجابهة التهديد الصهيوني واستمرار الاعتداءات الجوية والاحتلال الصهيوني لأجزاء من الأراضي اللبنانية ليحاول عنوة الفصل بين الموقف من كونه مقاومة ينعتها الغرب بالإرهاب وطبيعته كقوة سياسية وشعبية رئيسية وازنة لايمكن تجاهلها.
بهذا المعنى فإن ذلك التغيير في الخطاب الفرنسي الرسمي هو عودة إلى الاعتراف الفعلي بالمقاومة ووزنها الرئيسي في الحياة الوطنية اللبنانية وتوازناتها واستعادة خطوط الاتصال التي قطعتها باريس في السنوات الماضية التي انخرطت خلالها فرنسا في الخطة الأميركية لكسر محور المقاومة ولمحاولة فرض انقلاب شامل استراتيجيا يخضع الشرق العربي للهيمنة الغربية الصهيونية من خلال حربين كبيرتين مباشرة وبالواسطة لتدمير سورية واليمن وكان التورط الفرنسي شاملا وما تزال ذيوله حاضرة على الصعد السياسية والإعلامية والعسكرية والاستخباراتية لاسيما في سورية وكان حزب الله رأس حربة حقيقي في مواجهة ذلك المخطط الغربي بكل حزم.
ثانيا لايمكن تنحية هذا البعد من خلفية المبادرة الفرنسية ومحورية المصالحة مع قيادة المقاومة بعد فصول المواجهة الضارية وهذا ما لا تحجبه مجاملات الصالونات ولا تعابير الرئيس ماكرون المختارة بعناية لتسويق صورة “منقذ لبنان” وتثبيت فكرة “الأم الحنون” التي لاتتخلى عن هذا البلد في محنته ! وهي كانت حتى الأمس القريب مشاركة في خنقه واستهدافه خلال حرب تموز وما بعدها حتى لحظة وصول الرئيس الزائر.
جاء تصريح مايك بومبيو عن التنسيق والتفاهم مع فرنسا بخصوص لبنان اعلانا لما يمكن اعتباره تفويضا اميركيا للرئيس الفرنسي باحتواء الأزمة اللبنانية والتعامل مع قيادة المقاومة التي هي كابوس واشنطن وتل أبيب المؤرق في لبنان ليؤكد ان الاستدارة لم تكن اجتهادا فرنسيا منفردا او معزولا وهذا امر محسوم سواء نمت التصريحات عن ترتيب متفق عليه مسبقا وقبل زيارة ماكرون الأولى بين واشنطن وباريس ام كانت توافقا لاحقا للحظة انفجار المرفأ التي التقط فيها ماكرون سانحة احتواء وتدخل إيجابي تخدم المصالح الغربية في حوض المتوسط وانطلاقا من لبنان بالذات وعلى مقربة من سورية حيث تتشكل عناصر هزيمة كبرى للحلف الأطلسي الذي رمى بكل ثقله في حرب مباشرة وبالواسطة سخرت لها إمكانات ضخمة طيلة عشر سنوات مضت.
ثالثا يميل اللبنانيون العاديون المنهكون لتبني خرافة العطف الفرنسي وقد لاقى بعضهم الرئيس الزائرفي الشوارع بلهفة بينما عبرت بعض الأصوات عن ترسب ثقافي صارخ لعقدة ستوكهولم في تمني عودة الانتداب الأجنبي وظهرت وعود السيد ماكرون بوصفها بارقة أمل بالخروج من الأزمة الخانقة في حين أنها ظلت مقرونة بدفتر شروط صندوق النقد الدولي ورغم ذلك ينظر البعض إلى أي انتقاد لما يجري بوصفه تثبيطا لما لاح لهم من أمل وبينما صفع من راهنوا على انقلاب ضد المقاومة وحلفائها بواقعية ماكرون في التعبير عن جبرية الاعتراف بالقوى السياسية الفاعلة والحوار معها خرست جميع الأصوات التي تعالت ضد دعوات التوجه شرقا وأفاض أصحابها في هجاء العروض الصينية والإيرانية والعراقية وسدوا الطرق امام فكرة تنشيط العلاقات مع سورية بشحنات العداوة ولم يجد غيارى السيادة والاستقلال ما يضير أو يخدش حسهم السيادي المزعوم في جميع كلمات ماكرون التي مثلت تدخلا مباشرا في الشأن الداخلي اللبناني ولا في تقديم القيادات السياسية مشاريعها واوراقها الإصلاحية إليه وخوضها امتحانات جدارة في التأهيل للمشاركة في ورشة انقاذ يقودها الرئيس الفرنسي ويشرف عليها غير منزه عن الرغبة في ترتيب ملفاتها الاستثمارية ودفاتر شروطها بما يؤهل الشركات الفرنسية لنيل صفقات دسمة ومربحة في بلد منهار ومنهك وبأقل كلفة ممكنة.
يصرخ اللبناني البسيط وما هو الضرر طالما يمكن ان تعود دورة الحياة وتتحسن شروطها جزئيا بينما تغيب البرامج الوطنية كما يتوارى خطباء ومنظرون ينتظرون احتمالات ان “يهجم” حظهم في التوزير او التعاقد بأي صفة ممكنة فلفرنسا حصة باقية في “النخب” اللبنانية رغم الهجمة الأنكلوسكسونية التي انفلشت بعد اتفاق الطائف ويصرخ بعض المحبطين مجددا “هذا هو لبنان” ولنا عود إلى تلك العبارة.