ماذا عن التوجه شرقا بعد العروض الفرنسية ؟
غالب قنديل
كشفت زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عيوبا وعاهات قديمة راسخة في العقل السياسي التقليدي في لبنان وبرهنت على حجم الاستلاب والارتهان الانخلاعي في العلاقة بالغرب الاستعماري وبعد الهيجان العاطفي وموجات التبكيت الفرنسية في تحميل السلطات السياسية والقيادات اللبنانية مسؤولية الانهيار وهوتوصيف صحيح لكنه ناقض لأنه يسقط من حساب المسؤولية الضغوط والعقوبات التي شاركت فرنسا في فرضها ومن حقنا ان نشغر بغصة نتيجة صمت المسؤولين اللبنانيين عندما خرج الرئيس الضيف عن قواعد التعامل الدبلوماسي في لغته ورغم انه جاء ناصحا فقد أبقى في الظل الوفد المرافق من مدراء الشركات الفرنسية الطامحين بالفوز بصفقات في بلدنا خلف الغلاف الإغاثي وخطاب الوعظ الأخلاقي والإنساني بدءا من إعادة بناء المرفأ المدمر وشبكه بشركات فرنسية وبخطة فرنسية لترسيخ النفوذ في حوض المتوسط بمعونة فريق من رجال الأعمال الفرنسيين من أصول لبنانية يحملون جنسيتي البلدين وما اكثر هؤلاء.
أولا لاشك ان كسر حالة الحصار الغربي الخانق التي فرضت على لبنان هو تحول ايجابي مهم جسدته زيارة الرئيس ماكرون وقد فرضه صمود المقاومة وحلفها في المنطقة لنها علة الاهتمام الغربي بلبنان منذ نشوئها فصمودها وانتصاراتها فقد كان المشهد معاكسا كليا منذ الانهيار الكبير ومنذ ما قبله بعد إحكام قبضة العقوبات الأميركية الغربية القاسية ماليا واقتصاديا والمقرونة باعتراض سياسي سافر على دور المقاومة وحضورها وشراكتها السياسية في الحكومة اللبنانية واصرار ماكرون على تخطي هذه القيود وتجاوزها ينقل العلاقة بين السلطات اللبنانية والغرب عموما إلى وضع جديد تحت شعار المساعدة في الإسعاف واحتواء نتائج الأزمة والشراكة الاقتصادية والتجارية مع لبنان بصورة تفكك تدريجيا العديد من معالم الحصار وقيود الخنق الاقتصادي ومن الواضح ان الغرب الاستعماري كان بين خياري الانفتاح مجددا على لبنان وتدريجيا وبين مواصلة الحصار والعقوبات المشددة وهو ما سرع البحث الجدي في خيار التوجه شرقا وفتح أفق الانقلاب الاستراتيجي الذي حذر منه جيفري فيلتمان في مداخلته الشهيرة امام الكونغرس الأميركي في الخريف الماضي.
ثانيا إن القوى الوطنية ونعني حلف الثامن آذار الحاضن للمقاومة ومعه التيار الوطني الحر بجميع الأطراف والأحزاب والشخصيات المشاركة في هذا الحلف العريض الهلامي مدعوة للتمسك بفكرة التوجه شرقا لعدة أسباب نوجزها من زاوية المصالح الوطنية العليا ببعدين:
1- إن مصلحة لبنان العليا بحماية السيادة والاستقلال الوطنيين تقتضي عدم وضع البلد اقتصاديا وسياسيا في أسر الارتباط الأحادي بأي دولة عظمى والمصالح الاقتصادية والمالية المباشرة تفترض تنويع الشراكات لتحسين شروط لبنان في أي عقد او اتفاق مع فرنسا او مع أي دولة غربية في حين ان عروض الصين وروسيا وإيران والعراق وسورية تقدم فرصا تفاضلية مهمة وثمينة تفتح شروطا تنافسيا يمكن استثمارها لمصلحة لبنان.
2- فكرة ان لبنان جسر حضاري بين الشرق والغرب تعني بالذات شراكات على المقلبين وحيث ان عروضا جدية قدمتها عواصم شرقية كبرى وفرصا مجزية فتحتها عواصم شقيقة وصديقة فيفترض بالحكومة الجديدة ان تفتح الملفات التي انقطع النقاش حولها مع رحيل الحكومة السابقة وتباشر التفاوض لعقد اتفاقات ووضعها قيد التنفيذ مع العناية التي ستعطيها بداهة للعروض الفرنسية.
ثالثا إن استحقاق العلاقة بالجوار القومي أي سورية والعراق هو التحدي السياسي القائم والمستمر وبعد فترة غير بعيدة ستكون هذه العلاقة مطلبا للغرب لالتماس منافذ الانفتاح على سورية مجددا بعد انتصارها ولا ينبغي أن يتهيب المسؤولون اللبنانيون من عواقب الإقدام على فتح الخطوط مع دمشق وبغداد وطهران فهي عوامل قوة لهم في العلاقة مع باريس التي تتحضر لاحتمال انتخاب رئيس أميركي يعيد إحياء نصاب الشراكة الدولية التي قامت بعد الاتفاق النووي الإيراني مع روسيا والصين.
دعوتنا إلى جميع اللبنانيين هي التمسك بفكرة رفض الهيمنة وتحصين المقاومة واستخراج العبر من الاعتراف الغربي الضمني الذي مثلته مبادرة ماكرون بفشل الحصار ومحاولات التدمير والتركيع الاقتصادية والمالية وبالتالي السياسي فما يحمي البلد من فخ التحول إلى رهينة بيد أي دولة اجنبية عظمى بعيدا عن بهلوانيات وخطب الصداقة والأمومة المزعومة هو تنويع الشراكات وتعدد الخيارات وهذا يفترض ان ننظر إلى الشرق خلال ترحيبنا الحذر بالمبادرات الغربية على حدود مصالحنا وبما يحصن سيادتنا ومن غير انهيارات عاطفية وانخلاع مشين كالذي شهدنا بعضا من عيناته في شوارع عاصمتنا بكل أسف.