من يهدد حرية الإعلام في لبنان ؟
غالب قنديل
تعلو صرخات بين الفترة والخرى تتحدث عن خطر يتهدد حرية الإعلام وأصحابها يخفون مقاصد فعلية هي عكس ما تحمله عباراتهم وشعاراتهم فهم يريدون حماية مظاهر انتهاك الحرية الإعلامية واغتصابها وشدها من شعرها لحساب مشغليهم من الخارج وليحموا انتهاكهم المتواصل للقوانين الناظمة وللقواعد المهنية المتعارف عليها في سائر بلدان العالم وقد صار التباكي على الحرية جزءا من تقاليد الفجور الوقائي والاستباقي الذي تمارسه مجموعة من الشركات التي تنتهك القانون وقد راكمت أرباحا طائلة من خلال تأجير هواها وهوائها لكثير من اطراف الصراع المتدخلة من الداخل والخارج وبالفاتورة.
اولا تعميم الشتيمة ليس رأيا حرا بل هو اعتداء سافر على كرامة الشخصيات المعنوية والطبيعية ومشاعر جمهورها وخرق سافر للقانون وهي لا تمت بأي صلة لممارسة حق النقد والاختلاف بل إنها تبث مناخا تصادميا يؤجج التناحر ويعمم في المجتمع لغة منحطة سفيهة ومبتذلة تسمم الأفكار والعقول وتسيء لأخلاق الناشئة وجميع التبريرات السخيفة التي نقراها ونسمعها هي من تتمات المنطق السفيه والاستبدادي الفاجر الذي يراد به ترهيب قطاعات واسعة من الرأي العام وتحويل السقوط الأخلاقي إلى مدرسة مهنية فالقانون يلزم باحترام الطابع المتعدد للرأي ويفرض عرض جميع وجهات النظر بشروط متكافئة وتغطية الأخبار بعدالة في المساحة الزمنية وفي شروط العرض الفنية دون تدخل واحترام حق المشاهد والمستمع وحريته في تكوين رأيه الخاص بعيدا عن التلقين والإيحاء والتحريض وهذا ما يخرق بانتظام وبات من الدارج استعمال لغة وقحة من خارج أصول التخاطب او احترام الطابع المتعدد للرأي او الامتناع عن انتهاك الكرامة الإنسانية ويسخر الممولون والمخططون لهذه المهمة نوعا من الخطب الزقاقية البذيئة الرخيصة التي تنبذها القيم الاجتماعية التي يلزم القانون جميع وسائل الإعلام باحترامها.
ثانيا الخطاب الأحادي التلقيني ليس من المهنية في شيء والفرق شاسع بين الخبر والموقف ومهنيا الفرق شاسع بين عرض المعلومات من غير ايحاءات او نعوت او مواقف مسبقة وجاهزة احتراما لعقل المتلقي او من غير تحريض او تشهير وعلى أساس احترام الطابع المتعدد للرأي الذي اوجب القانون التقيد به صراحة ولكن عندما تتحول نشرات الأخبار إلى سلسلة مقاطع تشهيرية مصنعة ولوحات تحريضية مشغولة لتأليب الرأي العام وحين تتحول التقارير الإخبارية إلى مقاطع منتجة بلغة زقاقية وتصبح السفاهة موضة بعيدة عن مخاطبة العقول ومناقشة الأفكار بهدوء وباستعمال المنطق والحجة تصبح بعض الوسائل منصات احتراب وحقن لصالح دفع الجمهور في سلوكيات عنفية وتصادمية وحين تعمم حملات الشيطنة المدبرة لقيادات سياسية ولمرجعيات دستورية يتم تحقيرها والحط من شأنها بدلا من ادارة حوار عقلاني حول مواقفها او منطقها واتاحة الاعتراض المهذب بالحجة على ألسنة مخالفيها وحين تنظم الإساءة المدبرة للمقاومة بالذات لا يكون ما يجري ممارسة إعلامية مهنية بل تهديدا مقصودا للسلم الأهلي وبعيدا عن أصول النقد المشروع والاختلاف الطبيعي في الرأي وهي مخالفة للقوانين تنقض شروط الترخيص بمؤسسات إعلامية وهي تجيز طلب حجب هذا النوع من الوسائل وسحب التراخيص من أصحابها.
ثالثا لقد أتيح لنا مهنيا التعرف على تجارب إعلامية في دول عديدة وما من بلد يسوده التوحش الإعلامي بذريعة الحرية مثل لبنان ولو جرت بعض الممارسات الوقحة والبذيئة والتحريضية والفتنوية في مختلف البرامج الاجتماعية والسياسية والإخبارية التي تبث عندنا في دول كفرنسا وبريطانيا وسويسرا وغيرها لأوجبت عقوبات قاسية على المخالفين تصل حد فرض الغرامات المالية الضخمة او الإقفال الكلي والجزئي وفي بعض الأحوال لأوجبت سحب التراخيص ويعرف المرتكبون انهم يخالفون أبسط أصول المهنة وشورط التراخيص وان ما قاموا به سابقا ولاحقا من تزييف وتزوير بتجميل القبيح ومصدر الضرر او بالإساءة لمن يدافع عن الوطن بممارسة افعال الشيطنة والتشويه المتعمد والظلم المدبر لم يكن ممارسة مهنية وهم يعلمون ونحن نعلم انه عندما تحدث جيفري فيلتمان عن اشرافه على صرف خمسمئة مليون دولار على الإعلام اللبناني فهو اخبرنا عن مجموع ما قبضه لبنانيون مرتزقة في الإعلام اللبناني لقاء تنفيذ التعليمات والأوامر التي تلقوها من الجهات الأميركية المعادية لبلدهم ونعرف ان النتيجة كانت دمارا وخرابا وخسارة شاملة اقتصاديا وأرواحا لبنانية خسرناها بفعل شارك إعلامنا في ترويجه بأغلفة كاذبة.
رابعا إن خرق القانون وتهديد السلم الأهلي والمس بالمحرمات الوطنية والابتذال المتواصل عبر وسائل الإعلام هو جريمة جارية ترتكبها وسائل إعلامية معروفة وفي وجه ذلك يرضخ البعض للإرهاب ولابتزاز والفجور فيصمتون ويقعدون حتى عن ابداء الرأي المستحق.
إن صمت السلطة السياسية وتواطؤ بعضها لحماية سلوك اعلامي يضع البلد على شفير الهاوية ولم يوفر احدا من شروره ومن أذاه لن يمنعاني ومن موقعي المسؤول من رفع الصوت ضد هذا الفلتان الخطير وهو أضعف الإيمان وكلمتي لجميع الزميلات والزملاء أن القوانين تحدد القواعد الموجبة لحماية الحريات ولممارستها ولتحصينها بالتطبيق الدقيق للقواعد الناظمة وعبر الاحتكام إلى الأصول والتقاليد المهنية وهذا ما يعرفه الجميع ويخرقه البعض على حساب أمن لبنان وليسخروا هواءهم في خدمة الخطط والمشاريع التي تهدد لبنان ومحيطه الإقليمي وهؤلاء عليهم ان يخضعوا للمساءلة ولو كنا في بلد يحترم القانون لسحبت منهم التراخيص التي حولوها امتيازا للتطاول وللتآمر على امن الوطن وللتخريب المنظم.