ملاحظات في صلب العناق الفرنسي
غالب قنديل
مع تكرار الشكر الذي يشعر به كل مواطن لبناني لجميع الدول التي “هبت ” لإغاثة لبنان بعد كارثة المرفأ نستذكر مواقف حكومات الغرب وادوارها جميعا في الحروب الصهيونية وفي غزوة التكفير الإرهابية التي شنت على البلد وكيف كانت تعمل ضمن اوركسترا متناغمة سياسيا واقتصاديا وامنيا بقيادة الولايات المتحدة لمصلحة الكيان الصهيوني فهل هي بدلت سياقها ام كان لهجومها ولـ “نخوتها ” المستجدة هدف أرادت تحقيقه؟ وهل من السليم ان نمرر ترك البلد سائبا امام السفارات ووكالات الإغاثة المتعددة تحت شعار توزيع المساعدات وتحاشي تبددها نتيجة الفساد الحكومي الذي يعرف الجميع داخليا وخارجيا ان الجيش اللبناني ليس مشمولا بتلوثه وهو كان دائما المثال في عدالة توزيع المساعدات والهبات وبنظر جميع اللبنانيين؟.
أولا تتصدر فرنسا مجموعة الدول الغربية المتحركة تحت شعار إغاثة لبنان ورشح السيد ماكرون بلاده لتقديم رعاية سياسية قيل إنها بتفويض أميركي للمساهمة في تأمين توافق لبناني داخلي على الحكومة الجديدة بينما اظهر السيد ماكرون طموحا سياسيا لافتا بكلامه عن “عقد لبناني جديد” ملمحا إلى رغبة لا تخفى في رعاية حوار لبناني حول سلة الإصلاحات والتوافقات التي يلح في الدعوة إلى التفاهم عليها وقد طبقت حكومته تدبيرا تبعها إليه معظم المانحين من خلال تسليم المساعدات إلى سلسلة من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية المرتبطة بالعواصم المعنية بدلا من المؤسسات العامة او أقله مؤسسة الجيش اللبناني التي هي موضع ثقة الإجماع اللبناني الشعبي والسياسي إذا كان المقصود ضمان وصول المساعدات بعدالة إلى المواطنين المحتاجين ومنع تسربها في دهاليز النفوذ وثمة إشارات سؤال كثيرة حول طريقة عمل الوكالات والجمعيات والمنظمات المعتمدة من قبل السفارات الغربية والعربية لاتبعدها أبدا عن لوثة المحسوبية وألعاب النفوذ والزبائنية المنسوبة إلى القوى الحزبية اللبنانية الشريكة في السلطة وقد سبق لها أن قدمت تجربة تعفنت في فسادها من خلال ملف النزوح السوري.
ثانيا تكرر فرنسا تذكير اللبنانيين بجميل مساهمتها في قوات الطوارئ الدولية اليونيفيل في سعي لاكتساب الحصانة والنزاهة لدورها وهي بعد لم تقدم ما يثبت براءتها من مؤامرة تحريك عصابات التكفير إلى لبنان وسورية وما تزال في المغطس الدموي عالقة داخل سورية وقد كان دورها المحوري في اليونيفيل لحماية اسرائيل أكثر من كونه مبالغة في الحرص على لبنان كما تزعم الخطب السياسية الغربية والأسئلة الطبيعية التي تكشف الحقيقة تطرح نفسها فلم ليس انتشار اليونيفيل على جانبي الخط الأزرق وهو في المنطقة اللبنانية شمالي هذا الخط ولماذا ليست الترتيبات الأمنية الملزمة على الجانبين وفي العمق نفسه بينما هي مفروضة احاديا على الجانب اللبناني شمالي الخط الزرق وفي عدم التكافؤ تمييز للعدو الصهيوني على حساب لبنان بينما يحاول الأميركيون مع كل موعد لتجديد انتداب القوات الدولية ان يضيفوا قيودا جديدا ومزايا على حساب لبنان وسيادته ولمصلحة العدو الصهيوني الذي هو دائما في وضعية من يشن الحروب ويهدد بها.
ثالثا أهم ما شغل بال المخططين الغربيين خلال الأشهر الماضية هو خطر تفلت لبنان من قبضة الهيمنة وانتقاله إلى مرحلة جديدة في موقعه من التوازنات الإقليمية بدءا من احتمال الانفتاح على العلاقة بالشقيقتين سورية وإيران بما يعنيه الأمر من تحول كبير سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا لا يلائم منظومة الهيمنة ومحورها الأميركي الصهيوني في المنطقة وقد برزت مؤشرات في لبنان عن هذا الاحتمال بعد الانهيار الاقتصادي والمالي دفعت احد أبرزمخططي السياسية الأميركية في لبنان جيفري فيلتمان إلى التحذير من خطر الغياب عن المعادلة اللبنانية وما لم يقله فيلتمان هو ان احتمالات الحسم الكبير في سورية تقترب مما يحرك السباق مع الزمن لتثبيت دعائم الهيمنة الغربية في لبنان كمعقل تقليدي ومنع البلاد بأي ثمن من الافلات تجنبا للعواقب التي قد تجعل لبنان منصة مضافة للشراكة مع روسيا والصين وإيران إلى جانب سورية.
هذا البعد في الأحداث الجارية يكشفه توظيف العناق الفرنسي وغزوة المساعدات الغربية والخليجية لفرملة اندفاع لبنان نحو الشراكة مع الصين والعراق وسورية وإيران وقد كانت استقالة الحكومة السابقة كفيلة بتعطيل آليات تحركت بداياتها ببطء وكسل مع حكومةمحاصرة بالضغوط الداخلية والخارجية وربما يمكن لمن يطبق قاعدة الشك ان يسأل بشدة عن احتمال تورط ما في انفجار المرفأ لتحقيق هذا الهدف الواضح انطلاقا من التعرف على هوية أصحاب المصلحة.