عبث القوى الريعية المستهلكة
غالب قنديل
لا ضرورات عليا في قاموس بعض القوى السياسية اللبنانية التي يتحكم بها الكيد وتسوسها النكايات والرغبات الجامحة بالانتقام والتربص بالقوى الرافضة للهيمنة وهي لا تسأل عن الكلفة التي يرتبها الاستنزاف الاقتصادي والسياسي المتواصل على البلد واهله فالمهم عندها كيف يمكن التقرب إلى الغرب بإضعاف المقاومة وحلفائها بأي ثمن لنيل رضا العواصم ولاهم أكان الرضا المنشود أميركيا ام فرنسيا ام بريطانيا فلكل من الضواري الاستعمارية لقب وذكرى من أزمان مضت.
أولا يتحدثون عن أهمية العمل المشترك وينتظرون إشارات الأجنبي ليعملوا سكاكينهم في ظهور القوى التي تخالفهم الرأي وتخالف الهيمنة الغربية وأدواتها وعملاءها المحليين ولا وجود للحكمة في قاموسهم امام أي ظرف قاهر سواء كان بسبب التهديد الخارجي من العدو الصهيوني الذي عاش بعضهم في سريره طويلا ثم رضخوا لحقيقة انهزامه وصمتوا وتكفلوا بمناكفة المقاومة واستنزافها ومحاصرتها سياسيا والحؤول دون تعاظم دورها أم من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي لا تملك أي جهة شاركت في السلطة حق التنصل من مسؤوليتها وعلى تفاوت الدرجات فالتركيبة القائمة بجميع ملامحها وتفاصيلها شارك فيها جميع من تشاركوا السلطة وتقاسموا مواقع القرار.
ثانيا اليوم يصبون نيرانهم على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ويريدون النيل منه ومن فريقه بروح انتقامية وكيدية غير آبهين بحال البلد وبما تعانيه من ويلات كورونا وتفشيه الخطير ولا من آثار الأزمة الاقتصادية المالية الطاحنة والانهيار المتمادي الذي يغرق كل شيء وكل ما حولنا يشير إلى مزيد من التفكك والانحلال في بلد هو احوج ما يكون للتكاتف في مجابهة الكوارث والأزمات المتفاقمة التي تحيط بنا منكل حدب وصوب كل مصيبة تلحق بالبلد هي فرصة للصيد والاستثمار والتربص دون سؤال عن كلفة الزمن .. إنها عقلية المرابين والمراهنين في التلاعب بالوقت ولا هم يسألون عن الكلفة التي يتحملها البلد والتبعات التي سيتكبدها الناس الغارقون في حالة فقر وعوز تنزلق بهم إلى مهاوي العوز الذين يتحايلون عليهم بالنفاق المنظم.
ثالثا قبل الكلام عن الخطة الإنقاذية التي تقتضيها الحال الكارثية يحركون النقاش عن الكراسي والمواقع والحصص كأننا امام سرب غربان يتناهش طريدة تعفنت في البرية بعدما التهمتها الوحوش والضواري فصراع النفوذ والحصص قبل كل شيء والكيد والانتقام يسبق التفكير الجدي في البرامج والخطط وأي محاولة لتحريك حوار جدي حول سبل الخروج من المأزق غير مدرجة على الطاولة ويترك البلد رهينة اهتراء وتحلل وتعفن واياكم ان تطرقوا الخيارات غير المألوفة او المعتادة فتلك مغامرة خطيرة يضعون ثقلهم لمنعها واعتراضها ويتجاهلون كون البلد بات بحاجة لمشروع إنقاذ وليس للمزيد من لعق السكين واستنزاف ما بقي من دمه المسكوب إننا أحوج ما نكون لبرنامج إنقاذي ينعش اقتصادنا الوطني المخرب ولخطة إعادة بناء وطني لا لمشاريع تعيد وضعنا في قبضة الهيمنة الغربية اللصوصية فإحياء الثروة الباقية رهن الاستقلال والانفصال الكلي عن تلك الهيمنة.
رابعا في درب خلاصنا شراكات مفتوحة لصالح القطاعات المنتجة بدلا من تقاسم الريوع بالمضاربة والعمولات والباقي مسكنات توقف بعض الأوجاع ولا تحل أيا من المشاكل بل تورث مشاكل لاحقة ومعقدة فالمنعطف الخطير الذي يجتازه لبنان يستدعي إرادة صلبة وجذرية في مضمونها التحرري ولايمكن السير على مذهب التبسيط التسطيحي في تجزئة القضايا والتعامل مع التحديات.
التحرر من الهيمنة وإعادة البناء الوطني لا ينفصلان ويتطلبان نهجا حازما ينهي الارتهان للأجنبي ورؤية علمية لكيفية إعادة مراكمة الثروة وكل الباقي مضيعة للوقت وهدر للفرص وسيبقى البلد رهينة الاستنزاف وتراكم الخسائر حتى تتوافر قوى قادرة على بلورة خطة وطنية للخلاص بهذه المواصفات بعيدا عن ملاجئ متخيلة في كنف الهيمنة الأجنبية.