سورية والتغييرات الاستراتيجية المقبلة
غالب قنديل
بات في حكم اليقين ان الاحتلال الأميركي سيجبر على الهروب من سورية لأن كلفة البقاء مرهقة أيا كانت الحكومة القائمة في واشنطن فقد شرعت طلائع المقاومة الشعبية السورية تظهر في الميدان وتطارد مواقع الغزاة وعملائهم وهي حكما مرشحة للتعاظم والتقدم.
أولا كما كانت الحرب على سورية موجة حاسمة من الغزوة الاستعمارية الصهيونية في الشرق العربي بعد هزيمة حرب تموز 2006 التي تلقاها حلف العدوان الأطلسي الصهيوني على أرض لبنان وسيكون الهروب الأميركي الأطلسي من سورية انكسارا واضحا لا يقبل الجدل وبداية تبلورتوازن جديد تصنعه شعوب الشرق وتصيغ به معادلات القوة بتفاعل ما يجري في ميادين الحروب الباردة والساخنة من فلسطين إلى لبنان والعراق واليمن وسورية وإيران وسيتضح عمق التحولات القادمة بما راكمته اطراف محور المقاومة من القوة والقدرة مقابل التقهقر والوهن والتراجع في حال محور الهيمنة والتبعية.
لكن الصراع سجال والاستعمار الغربي يجرب ويختبر طرقه المتعددة في التعامل مع التحولات القاهرة وهو لن يلقي سلاحه ويستسلم بسرعة رغم الحقائق الصارخة التي تبرهن على طريقه المسدود أمام إرادة الشعوب والقوى التحررية في المنطقة ورغم الوهن الذي أصاب الغرب اقتصاديا وعسكريا ولحق خصوصا بقاعدته المتقدمة “اسرائيل“.
ثانيا يستعجل البعض الكلام عن تسويات محتملة يستدلون عليها من ترجيح احتمال فوز المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن والبعض يقرأ في عودة الإدارة الجمهورية الحالية إلى مد خطوط الاحتواء السياسي في بعض ساحات المواجهة والحروب وجبهات الصراع في المنطقة مؤشرا على احتمال توجه المؤسسة الحاكمة الأميركية نحو اختبار فرص التسويات وامكان استرجاع المساكنة مع الخصوم والمنافسين لكن ما يدور في العالم من أحداث يشير إلى تصاعد وتائر المنافسة والصراع على الصعيد العالمي وهو ما يناقض التفاؤل بالتسويات.
لم تكن الإدارات الديمقراطية يوما متساهلة في حراسة الهيمنة الأميركية الاستعمارية وتشديد شروط إحكامها ولم تتراخى يوما في ممارسة أقصى درجات الدعم والانحياز اتجاه الكيان الصهيوني وخططه وأهدافه في قلب دعواتها المتكررة لتسويات سلمية أو مبادراتها التفاوضية ومآثر إدارة اوباما وحروبها المفتوحة والمستمرة في المنطقة شاهد على ذلك ففي المنطقة العربية ما تزال حربان كبيرتان وضاريتان أشعلتهما أصابع اوباما وإدارته هما الحرب على سورية وحرب اليمن وبالتالي من الوهم افتراض نهاية الحرب بوصول رئيس ديمقراطي خلفا لدونالد ترامب ونزعته العدوانية.
ثالثا ما يؤسس فعلا لنهايات الحروب هو ميزان القوى وتبلور المعادلات الجديدة الرادعة للعدوانية الأميركية الصهيونية وهذا ما يستدعي اشتراك محور المقاومة بكليته في العمل لبناء جبهة عالمية مناهضة للهيمنة دون أوهام حول أي من الدول الغربية التي تثبت باستمرار دوام ارتهانها للإمبراطورية الأميركية والكيان الصهيوني ولمشاريعهما في المنطقة وهي تحبط في اذعانها جميع مراهنات الواهمين على انفصال بعض الدول الأوروبية عن الحظيرة الأميركية وهو ما تثبت التجربة عدم صحته حتى إشعار آخر مهما تعاظمت المصالح والاغراءات التي تقدمها روسيا والصين وايران منذ سنوات لتسهيل انبثاق اصطفاف عالمي جديد يقوض الأحادية القطبية التي قامت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ويقيم وضعا عالميا جديد يتسم بشيء من روح الشراكة والتكافؤ والتوازن.
مما لاشك فيه إن وضعا جديدا يتشكل على الصعيد العالمي لكن ملامحه لم تكتمل بعد وهو سيقتضي مزيدا من الوقت ومسافة من التطورات والتحولات الضرورية وسوف تتوقف سرعة تبلوره واكتماله على طبيعة المبادرات التي تتخذها القوى الصاعدة الرافضة للهيمنة الأميركية وهنا نقصد روسيا والصين وايران كما إنه يرتبط بتوازن القوى في الصراع الذي يخوضه حلف المقاومة والتحرر في مجابهة الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي على صعيد منطقتنا وبالذات في سورية واليمن وفلسطين وبكلمة سيكون الانتصار السوري ايذانا بموجة تغيير عميقة الدلالة والنتائج.