كيف أخطأ البطريرك واستنسخ كتاب أمين الجميل؟: ناصر قنديل
– من سوء حظ البطريرك بشارة الراعي أن ما وصفه بالمذكرة البطريركية للحياد الناشط كما أسماه، ورد حرفياً في توصيف الرئيس السابق أمين الجميل لمشروعه الرئاسي قبل قرابة أربعين عاماً، مع فارق استعمال الجميل لوصف الحياد بالإيجابي مقابل وصف البطريرك له بالناشط. ويورد الرئيس السابق في كتابه الذي تسنى للبنانيين الاطلاع عليه منذ فترة قريبة، مضامين مشروعه في حوارات هي التي يسعى البطريرك للقيام بمثلها، فالجميل أمضى السنتين الأولى والثانية من رئاسته في قمم رئاسية ولقاءات وزارية، وحوارات مع سفراء ومبعوثين، شملت بصورة مكثفة السعي للحصول على دعم واشنطن وباريس والرياض، الذين يعتبرهم البطريرك والجميل الأصدقاء الذين يجب الحصول على دعمهم لتأمين فرصة جدية للحياد الإيجابي أو الناشط، إلا إذا استطاع البطريرك إقناعنا أن الخلل الذي أفشل مسعى الجميل يعود إلى أن حياده كان إيجابياً بينما حياد البطريرك ناشط، والفارق بين الإيجابي والناشط قادر على تفسير الفرق في النتائج المتوخاة؟
– يخصص الرئيس السابق كتابه ليشرح حجم مساعيه المبذولة لتحقيق هذا الحياد، مؤكداً حصوله على دعم وحماسة واشنطن والرياض وباريس، في مرحلة لم يكن فيها وجود بعد لحزب الله الذي يصوّب البطريرك نيرانه عليه، والميليشيا الوحيدة التي كانت موجودة في تلك الفترة كانت القوات اللبنانية، التي ارتكبت مجزرة صبرا وشاتيلا وصعدت إلى الجبل ترتكب المجازر وتمارس الاستفزازات، فلماذا لا يستدعي البطريرك الرئيس الجميل ويسأله عن أسباب فشل مشروعه للحياد الإيجابي في ظروف أقل تعقيداً، كي يتلافاها في الحياد الناشط، وهي حكماً ليست وجود حزب الله الذي لم يكن موجوداً بعد، ووفقاً لرواية الجميل ثبت له أن الدعم والحماس لمشروعه بالحياد الإيجابي الذي لاقى كل الدعم الأميركي والفرنسي والسعودي، لم يكن كافياً للنجاح، لأن السعودية وفرنسا لا تملكان الاستعداد والقدرة للذهاب بعيداً عن واشنطن، والضغط عليها، وواشنطن لا تملك الاستعداد ولا القدرة للذهاب بعيداً عن «إسرائيل»، والضغط عليها.
– في أول سنتين من حكم الرئيس الجميل لم يكن ضمن طلب دعوة الحياد حلٌّ لقضية اللاجئين الفلسطينيين، ولم تكن هناك قضية النزوح السوري، وسقف المطلوب كان ضمان انسحاب إسرائيلي مقابل الاستعداد لتقديم مكاسب أمنية يمكن توضيبها تحت عنوان الحياد بتغطية عربية قدمتها السعودية، وعبر عنها اتفاق 17 أيار، لكن ذلك بدا مستحيلاً لربط «إسرائيل» لانسحابها بقبول سورية، كحال ربط البطريرك لطلب الترسيم المتزامن والمتوازن للحدود مع «إسرائيل» وسورية. ومثلما تجاهل البطريرك الاعتراف بكيفية تحقق الانسحاب الإسرائيلي، ودور المقاومة في فرضه بالقوة دون قيد أو شرط أو مكاسب للاحتلال، فعل الجميل، لكن الإنكار المشترك لن يغيّر حقيقة أن لا جدوى من كل التذاكي لصناعة حبكة وهمية للضغط على «إسرائيل» بتقديم رؤوس اللبنانيين قرابين لاسترضاء الخارج العربي والدولي، وقد فعل الجميل ذلك، ولم ينجح في زمن كان الأميركي ملتزماً بحل يعتمد القرارات الدولية للقضية الفلسطينية، وكان النظام العربي يتمسك بقيادة السعودية بحل مشابه، فعن أي التزام دولي وعربي بحل لقضية اللاجئين الفلسطينيين يحدثنا البطريرك، في زمن صفقة القرن والتطبيع الخليجي الإسرائيلي؟
– الجيش اللبناني القوي الذي يحمي لبنان كان عنوان تفاهم الجميل مع الأميركيين، وقدّموا نموذجهم للجيش القوي يومها، بجيش مسموح أن يكبر عديده ويتعاظم سلاحه لمواجهة الداخل، لكن ممنوع عليه السلاح الذي يحميه من «إسرائيل»، ولذلك قبل أن يورط البطريرك اللبنانيين بمبادرة سيقطفون ثمارها انقساماً داخلياً، وتنتهي بالخيبة بعد أن تتسبّب بالفتنة، لم لا يحصل غبطته على ضمانة علنية أميركية بثلاثة مبسطة، نعم لعودة اللاجئين ونعم لعودة النازحين ونعم لسلاح دفاع جويّ للجيش، وبعدها يخبرنا الفرق بين حياد الرئيس الجميل الإيجابي وسبب فشله، وحياده الناشط وسبب نجاحه، أو ربما يكون السؤال الأسهل لم لا يقرأ غبطته كتاب الرئيس الجميل أولاً ثم يستدعيه ليستفتيه؟