“زعماء” أقوياء ودولة ضعيفة: بشارة مرهج _
في الأساس الدولة اللبنانية ليست ضعيفة، لأنها تعبير عن عقد اجتماعي يضمّ اللبنانيين الذين برهنوا أنهم أقوياء في الحرب والسلم، في الإقليم والمغترب. ولكن الدولة اللبنانية أصبحت ضعيفة لأنّ زعماء المال والإقطاع والميليشيات يريدونها معلّقة على خشبة بين الموت والحياة، لا هي قادرة على العطاء، ولا هي قابلة للزوال… يريدونها ضعيفة عاجزة عن ممارسة دورها وفاقاً للدستور والقوانين المنبثقة عنه.. يريدونها ضعيفة عاجزة عن خدمة المواطن والدفاع عنه وحراسة حقوقه كي يظلّ الناس يهرعون إليهم كلما احتاجوا إلى إجراء معاملة لدى أجهزة الدولة وإداراتها، أو حماية أنفسهم من شرور الغير، أو استعادة حقوقهم من مغتصب.
في هذا السياق يخسر المواطنون دولتهم كي يربح الزعماء دويلاتهم على أشلاء دولة مخصِية مستباحة مخصصة لهم ولأنصارهم وأتباعهم.
هذا الوضع يقتات على الفساد ويشجع عليه.
وهو يقتات أيضاً على التدخل الخارجي ويشجع عليه.
على هذا النحو يتكرّس الفساد وتحكم منظومته الناس والبلد على قاعدة التحالف والتنافر واحترام “النادي” الذي يجمع كلّ الأطراف تحت ظله. أعني به نادي الاستئثار والاحتكار والتسلط الذي يحمي منظومة الفساد ويكرّس ديمومتها في كلّ الظروف.
هذه هي الحلقة المغلقة التي تفسّر مقاومة الطبقة الحاكمة في لبنان للإصلاح سواء في الإدارة أو القضاء أو البنك المركزي. هذه هي الحلقة المغلقة، المفرغة من القيم والعهود، التي تفسّر إصرار الطبقة الحاكمة على إبقاء كلّ شيء على ما هو عليه رغم نداء الأمهات والأطفال، وسقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى، وتحذيرات وإنذارات المرجعيات العربية والدولية.
هؤلاء ليسوا قادرين إلا على ممارسة الفساد وإنْ برعوا في تغليفه وشحنه بالمؤثرات الصوتية والضوئية والمذهبية.
هؤلاء ليسوا قادرين على القبول بتحقيق قضائي يأخذ مداه بجريمة العصر التي دمّرت المرفأ وأجمل عواصم المتوسط.
فاقد الشيء لا يعطيه…
*نائب ووزير سابق
(البناء)