استقالة حكومة دياب… لبنان أمام ثلاثة احتمالات: حسن حردان
كلّ من يراقب المشهد السياسي بعد استقالة حكومة حسان دياب يلاحظ أنّ قوى ١٤ آذار رفعت من سقف رهاناتها لقلب الطاولة في مواجهة تحالف الأغلبيّة النيابيّة، في محاولة لفرض أجنّدتها السياسيّة الهادفة إلى إحداث تغيير في المعادلة السياسيّة على مستوى السلطة، عبر فرض تقصير ولاية مجلس النواب وإجراء انتخابات نيابيّة مبكّرة، تعتقد قوى 14 آذار أنّ إجراءها في الظروف الحاليّة قد يفضي إلى تمكينها من الفوز بغالبيّة المقاعد النيابيّة في البرلمان، وبالتالي تحكَّمها بعمليّة إعادة إنتاج السلطة، وحماية نفوذهم ومصالحهم، بمنع أيّ إصلاحات حقيقيّة تكشف دورهم في الفساد المالي والإداري ومسؤوليتهم عن افلاس البلاد مالياً والتسبّب بأعنف أزمة اقتصاديّة واجتماعيّة ومعيشيّة في البلاد.. وصولاً إلى فرض تشكيل لجنة تحقيق دوليّة في جريمة انفجار المرفأ بهدف تزوير الحقائق والتستّر على مسؤولية الحكومات المتعاقبة منذ عام 2013، تاريخ مصادرة شحنة نيترات الأمونيوم ووضعها في مخزن بالمرفأ إلى تاريخ انفجارها في 4 آب والتسبّب بالفاجعة الكبرى التي أصابت بيروت وكلّ لبنان…
ولتحقيق هذه الأهداف عادت هذه القوى إلى إعادة طرح تشكيل حكومة حياديّة برئاسة نواف سلام وبصلاحيات استثنائية تمكّنها من تطبيق الأجندة المذكورة آنفا لتنفيذ انقلاب سياسي يلتزم تلبية لائحة الشروط الأميركية التي أعلنها المسؤولون الأميركيون كشرط للسماح بتقديم القروض من صندوق النقد الدولي ومؤتمر سيدر، وفك الحصار عن لبنان…
لكن مثل هذه الرهانات، من الصعب أن تتحقق، وهي مجرد أحلام سرعان ما يستفيق منها أصحابها ولو بعد حين…
إنّ من يدقّق في الواقع السياسي القائم في البلاد يتبيّن له أنّ موازين القوى، التي تمنع تحقيق أحلام واشنطن والقوى التابعة لها في لبنان، لم تتبدّل بعد استقالة حكومة دياب…
أولاً، إنَّ استقالة حكومة دياب لم تأت نتيجة تبدّل في موازين القوى، أيّ لم يحصل انتقال بعض نواب تحالف 8 آذار والتيار الوطني الى صفوف تحالف 14 آذار على غرار ما حصل في أعقاب ارتكاب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005… وإنَّما جاءت الاستقالة نتيجة قرار برفع الغطاء عن الحكومة من قبل تحالف الأغلبيّة بعد الخطأ الذي ارتكبهُ دياب بدعوته إلى إجراء انتخابات مبكّرة، وهو أمر لا يحظى بتأييد الأغلبيّة التي منحت الثقة للحكومة، ويصبّ في طاحونة قوى 14 آذار…
ثانياً، إنَّ استقالة الحكومة تعيدنا إلى مرحلة استقالة حكومة الرئيس الحريري أثر انتفاضة 17 تشرين الأول، والتي فشلت، في أعقابها، محاولات قوى 14 آذار استثمارها، وبدعم أميركي، في فرض تشكيل حكومة مستقلة من التكنوقراط يكون هواها هوى أميركي وقادرة على تلبية الإملاءات الأميركيّة… وجاء تشكيل حكومة دياب بقرار من الأغلبيّة النيابيّة بعد أن فشلت في محاولتها إعادة تشكيل حكومة توافقيّة برئاسة الحريري أو شخصيّة سنيّة يوافق عليها…
ثالثاً، إنَّ الموقف الدولي والإقليمي والعربي حصل فيه تبدّل جزئي، لمصلحة تحالف الأكثريّة، على خلفية كارثة انفجار المرفأ، نتيجة القلق الغربي من أن يصبح لبنان أمام خيار قبول المساعدات الروسية، الصينيّة، الإيرانيّة، لإعادة إعمار ما دمّره الانفجار في ظلّ استمرار الحصار الأميركي الغربي، وبالتالي يتحقق توجّه لبنان نحو الشرق لحلّ أزماته، مما ينعكس بإضعاف نفوذ الغرب في لبنان… وهذا ما دفع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى المسّارعة لزيارة بيروت، واتصال الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس ميشال عون، ومن ثم عقد مؤتمر دولي سريع للمانحين وتخصيص مساعدات ماليّة عاجلة لإعادة بناء المناطق المدمّرة في بيروت وإعلان أكثر من دولة مثل، فرنسا وتركيا، الاستعداد لإعادة بناء مرفأ بيروت.. وهو ما أدّى إلى فتح كوة في جدار الحصار..
انطلاقاً مما تقدّم، يطرح السؤال، ما هي الآفاق؟
في ظلّ عدم توافر موازين قوى لمصلحة التغيير الحقيقي في النظام اللبناني الطائفي المولّد للأزمات، فإنّ لبنان أمام ثلاث احتمالات:
الاحتمال الأول: أن تتجاوب قوى 14 آذار مع الجهود التي بدأت بدعم فرنسي، عبّر عنه ماكرون، لتشكيل حكومة وحدة وطنيّة لمواجهة الأزمة والظروف الطارئة والصعبة التي تواجه البلاد على أثر كارثة انفجار المرفأ، وهو ما عكسه موقف النائب السابق وليد جنبلاط في أعقاب اجتماعه أمس مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، بالدعوة لتشكيل «حكومة تعالج الوضع الاقتصادي وتقوم بإعمار بيروت وتحقق الإصلاح»، ما يعني سحب المطالبة بالانتخابات المبكرة من التداول… وبدء النزول عن أعلى الشجرة والعودة الى الواقعية والإقرار بموازين القوى…
الاحتمال الثاني: إعادة تشكيل حكومة جديدة من الأغلبيّة، تأخذ بالاعتبار أنّ عليها عدم تكرار تجربة حكومة دياب لناحية تردّدها في الإقدام على الخطوات العمليّة المتاحة لإيجاد حلول سريعة للأزمات الضاغطة على اللبنانيّين ودولتهم، وبالتالي المسارعة من اللحظة الأولى بعد إعلان تشكيل الحكومة، إلى قبول العروض الصينيّة والعراقيّة والإيرانيّة لحلّ الأزمات التي يعاني منها لبنان..
الاحتمال الثالث: استمرار حكومة تصريف الأعمال لفترة طويلة ريثما تنضج الظروف لتسويات، وهو أمر لن يتَّضح قبل معرفة ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات الأميركيّة، وطبيعة السياسة الأميركيّة التي ستسود بعدها، هل تستمر في الحرب الاقتصاديّة، أم تذهب إلى عقد التسويات في ساحات الصراع الأساسيّة بما فيها لبنان…
أما لماذا يبقى لبنان في مثل هذه الحالة من عدم الاستقرار فإنّما يعود ذلك إلى التدخّل الخارجي في شؤونه الداخلية، والذي تُشجّع عليه قوى محليّة تستقوي بالخارج على خصومها في الداخل، وترفض تَغليب المصلحة الوطنية، خصوصاً عندما تكون البلاد معرّضة لأزمات كبرى، وتحتاج إلى تكاتف وتضامن وطني للإنقاذ، وبالتالي الترفع فوق الصّراعات السياسيّة وتجنيب البلاد التدخّلات الخارجيّة…
(البناء)