عندما تفقد الدولة اللبنانيّة ثقة العالم إدانة وإذلال…!: د. عدنان منصور*
البيان الذي صدر عمّا سُمّي: المؤتمر الدوليّ لمساعدة ودعم بيروت والشعب اللبناني، تجاهل كلياً وعن عمد، الدولة اللبنانيّة وحكومتها ومؤسساتها الدستوريّة.
فالمؤتمر وفقاً للبيان الذي صدر عنه، جاء بناء على دعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد الكارثة التي حلّت بلبنان والتي شكلت «صدمة للشعب اللبناني، ولأسره ولأصدقائه وشركائه.»
المؤتمر الذي قدّم التعازي لأهالي بيروت وسكانها! أكد على أنّ المجتمع الدولي لن يخذل اللبنانيين، وانه مصمّم على العمل بحزم وبالتضامن لمساعدة بيروت والشعب اللبناني على تجاوز المأساة. وانه سيقوم بحشد موارد لتلبية الاحتياجات الفورية لبيروت والشعب اللبناني في المجال الصحي والتربوي والغذائي تحت قيادة الأمم المتحدة، وأن تسلم مباشرة للشعب اللبناني بأعلى درجات الفعالية والشفافية. كما أعرب المؤتمر و»بناء على طلب لبنان»! أنّ إجراء تحقيق محايد وموثوق ومستقلّ، يشكل حاجة فورية وهي متوفرة. واعتبر انّ دعم النهوض الاقتصادي والمالي للبنان، يتطلب التزام السلطات اللبنانيّة بالكامل، القيام سريعاً بالإجراءات والإصلاحات التي ينتظرها الشعب اللبناني.
لم يعِر المؤتمر الدولي أيّ اهتمام، أو اكتراث بالدولة اللبنانية، ولم يبد أيّ تعاطف معها ومع حكامها لا من قريب أو بعيد، أو أن يعرب مجاملة او لياقة لرئاسة الجمهورية أو الحكومة عن تعازيه وتضامنه معها، بل تجاوزها وتجاهلها بالكامل، وكأنه بذلك اعتبر أنّ علاقته ودعمه تنحصر بالشعب اللبناني ولا غيره.
من خلال عدم اكتراثه بالمطلق للدولة وما فيها.
لم يتردّد المؤتمر من القول إنه «بناء على طلب لبنان»! أيّ لبنان! لم يقل الحكومة او الدولة، بل لبّى دعوة فئة من اللبنانيين، مكشوفة أهدافها ومراميها، ليقول إنّ إجراء تحقيق محايد وموثوق ومستقلّ ـ أيّ أخذ التحقيق لمكان آخر ـ يشكل حاجة فورية وهي متوفرة، من دون أن يأخذ بالاعتبار موقف غالبية اللبنانيين، ومتجاهلاً الدولة برمّتها. إلا أنه عندما أشار الى دعم النهوض الاقتصادي والمالي للبنان، هنا توجّه الى السلطات اللبنانية بلغة المعلم للتلميذ، من أنه يتطلب من السلطات اللبنانية بالكامل القيام سريعاً بالإجراءات والإصلاحات التي ينتظرها الشعب اللبناني.
المؤتمر الذي عوّل عليه حكام وزعماء هذا البلد المنكوب بهم، لم يجلب لهم الا مساعدة متواضعة لم تتجاوز 253 مليون يورو، إذا ما قورنت بالخسارة المادية ـ عدا أعداد الضحايا والجرحى _ التي تقدّر بعشرات المليارات من الدولارات جراء الكارثة المدمّرة.
لم يبق للطبقة السياسية أي مسؤولية وطنية تتحلى بها، أو صدقية أخلاقية او مهنية تتمتع بها، أو أدنى اعتبار أو احترام من قبل دول المجتمع الدولي. لا ثقة ولا احترام ولا تقدير من دول العالم حيال هذه الطغمة الحاكمة الفاسدة، لذلك رأى المؤتمر أنّ الاحتياجات الضرورية العاجلة التي يحتاجها الشعب اللبناني والتي ستقدّمها الدول والهيئات الدولية والإنسانية المشاركة في المؤتمر، ستتمّ تحت قيادة الأمم المتحدة، لأنّ هذه الدول تعرف جيداً وبالتفاصيل، مدى معيار السلوكيات والنزاهة والأداء ومدى الانحطاط الأخلاقي والمهني الذي يسود أرباب الطبقة السياسية القابضة على البلاد ومؤسساتها منذ أكثر من ثلاثة عقود وحتى اليوم.
إنّه درس من المؤتمر لحكام وزعماء لبنان، وطبقتهم السياسية بكلّ ما تحويه من موبقات، وهو أيضاً رسالة بليغة، وإذلال واحتقار لهم جميعاً.
فهل يعي هؤلاء الدرس وهذه الصفعة، وكيفية تعاطي المؤتمر مع الزمرة التي أوصلت البلد الى الحضيض! بيان المؤتمر بصق في وجوه كلّ الفاسدين القابضين على الدولة، فهل من بينهم من سيقول بعد ذلك إنّ السماء تمطر! بكلّ تأكيد سيقولون وبكلّ وقاحة إنّ السماء تمطر، فهم اعتادوا على هذا السيل من المطر.
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق.
(البناء)