تداعيات إنهاء حظر الأسلحة على القدرات العسكرية الإيرانية مايكل آيزنشتات
23 تموز/يوليو 2020
في 18 تشرين الأول/أكتوبر، من المقرر أن “ينقضي” حظر الأسلحة المفروض من إيران وإليها، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، وهي الوثيقة التي منحت صفة قانونية دولية للاتفاق النووي الإيراني. وإذا لم يتمّ تمديد الحظر، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هي التداعيات المحتملة على القدرات العسكرية للجمهورية الإسلامية؟
فرص شراء الأسلحة التقليدية
في العقود الأخيرة، أسفرت الاستثمارات الدفاعية المتواضعة نسبياً في طهران عن بعض القدرات المتخصصة المثيرة للإعجاب، الأمر الذي مكّنها من توجيه ضربات دقيقة بعيدة المدى، وشنّ حرب عصابات بحرية، وإجراء عمليات بالوكالة. واستخدم النظام هذه القدرات لاكتساب ميزة وبسط نفوذه مع تجنّب حرب إقليمية كبرى. وبالتالي، تهدد الطائرات بدون طيار والصواريخ التي يملكها وكلاء وشركاء إيران تهديداً لأبرز حلفاء أمريكا في المنطقة (إسرائيل والمملكة العربية السعودية)، في حين يمكن للقوات الإيرانية التي تنفّذ عمليات القصف الدقيق البعيد المدى استهداف القواعد العسكرية الأمريكية وأهداف أخرى في جميع أنحاء المنطقة. كما يمكن لإيران عرقلة حركة المرور البحرية من خلال ممرين بحريين أساسيين مزدحمين: مضيقي هرمز وباب المندب (الأخير عبر شركائها الحوثيين في اليمن.(
ومن وجهة نظر طهران، فإن النجاحات التي سجلها وكلاءها وشركاؤها في الشرق الأوسط – طرد القوات الإسرائيلية من لبنان في عام 2000، وإخراج القوات الأمريكية من العراق في عام 2011، وهزيمة “المؤامرة الأمريكية السعودية الصهيونية” لإسقاط بشار الأسد في سوريا منذ عام 2011 – قد بررت نهجها في استخدام القوة لتشكيل البيئة الأمنية الإقليمية. كما تَعتبر إيران قواتها المسلحة رادعاً فعالاً ضد هجوم تقليدي كبير – وهي عقلية يعززها بلا شك إحجام واشنطن عن استخدام العتاد العسكري كجزء لا يتجزأ من سياسة الضغط الأقصى.
وبالتالي، من المرجح أن تبقي إيران على هذه المقاربة الأساسية إذا انتهى الحظر على عمليات نقل الأسلحة في وقت لاحق من هذا العام، بينما تملأ الثغرات التي تعانيها في القدرات وتعمل بشكل انتقائي على تحديث قواتها التقليدية لتعكس الدروس المستفادة في سوريا. وتحقيقاً لهذه الغاية، ستحاول شراء بعض الأنظمة التي لم تتمكن من صنعها محلياً على الأقل، مثل صواريخ أرض-جو متطورة، وطائرات مقاتلة، ومدرعات مشاة مقاتلة، ودبابات. وبالفعل، تشير تقارير إعلامية إلى أنها تواصلت مع روسيا أساساً لشراء مقاتلات من نوع “سو-30” وصواريخ أرض-جو من نوع “أس-400″، ودبابات “تي-90″، وأنظمة مدفعية حديثة، وصواريخ كروز “ياخونت” المضادة للسفن. وبالمثل، ستواصل على الأرجح تقوية قواتها البحرية التي تعمل بأسلوب حرب العصابات من خلال امتلاك ألغام متطورة، وطوربيدات، وصواريخ باليستية مضادة للسفن. ومن المرجح أيضاً أن تعزز القدرة الاستطلاعية لفيلقها الشيعي الأجنبي من خلال الحصول على طائرات دعم جوي قريب ذات أجنحة ثابتة وأخرى ذات أجنحة دوارة، ومروحيات نقل، وتكنولوجيا خاصة بجمع المعلومات الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع، الأمر الذي يُحتمل أن يمكّن الوكلاء ويخوّلهم تنفيذ عمليات معزّزة في الخارج بشكل مستقل عن الدعم الجوي والناري الروسي.
وبالنظر إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها إيران، من غير المحتمل أن يكون النظام قادراً على شراء أعداد كبيرة من أنظمة الأسلحة الرئيسية. على سبيل المثال، يمكن أن تصل النفقات الأولية لسرب واحد من 18- 24 طائرة مقاتلة إلى ملياريْ دولار، ويمكن أن تقترب عملية إعادة تنظيم القوة الجوية ككل من 100 مليار دولار، لأن هذه العملية تتطلب شراء طائرات حديثة، وتجميع كميات كبيرة من الذخائر وقطع الغيار، وتحديث القواعد الجوية ومنشآت الصيانة وتمتينها، وتوسيع شبكات القيادة والتحكم والاتصالات والاستخبارات. وستتطلب إعادة تنظيم الجيش وقوات البحرية استثمارات على نطاق مماثل. ولعل الأهم من ذلك أنه من غير المرجح أن تُقْدِم روسيا والصين على منح طهران خط الائتمان الضروري لتسهيل مشتريات كبيرة الحجم.
ومع ذلك، فإن التحديث العسكري الشامل ليس ضرورياً لتحقيق أهداف إيران الرئيسية للأمن القومي، والتي تستند فقط إلى عدد قليل من القدرات القوية والمتخصصة. وفي حين أن غياب العملة الصعبة وغيره من العوامل قد يمنع طهران من التفاوض على صفقات الإنتاج المشترك ونقل التكنولوجيا، فمن المرجح أن يشتري النظام كميات متواضعة على الأقل من الأسلحة الأكثر تقدماً، وبالتالي يُمكّن قطاعاته الخاصة من تطبيق الهندسة العكسية وإنتاج بعض أسلحته الخاصة في نهاية المطاف.
تعزيز الثقة الذاتية والإنتاج المحلي
بالفعل، يمكن لرفع الحظر أن يُحدث تغييراً أكبر في قطاع الأسلحة المحلي في إيران. فروح الاعتماد على الذات أمر أساسي للجمهورية الإسلامية، التي كانت تتطلع إلى تعزيز الإنتاج المحلي للأسلحة منذ أوائل الثمانينيات من أجل تقليل الاعتماد على مزودين من الخارج، والتهرب من العقوبات، وتطوير القدرات المخصصة لاحتياجاتها العملياتية المحددة. وقد خطت خطوات كبيرة في إنتاج الأسلحة الصغيرة، والأسلحة الخفيفة والثقيلة، ومختلف أنواع الذخائر، والطائرات بدون طيار، والقذائف/الصواريخ (بما فيها أنظمة مضادة للسفن، وأنظمة الصواريخ أرض-أرض، وأرض-جو)، والمركبات المدرعة الخفيفة، والسفن الحربية الصغيرة (على سبيل المثال، الغواصات والفرقاطات القزمة).
وبدون الحظر، قد تتوافر أمام طهران المزيد من الفرص لشراء قطع [غيار]، ومكونات، وآلات تشغيل، وتكنولوجيات تصنيع بمساعدة الحاسوب، ومواد خاصة ضرورية لإنتاج أنظمة أكثر تطوراً. ومع ذلك، حتى في ظل القيود الراهنة، تمكنت طهران من شراء مواد تجارية، جاهزة للاستخدام، ومزدوجة الاستعمال باستخدامها خطط شراء معقدة ملتوية ومكلفة. وتُعتبر العديد من هذه المواد غير ثمينة ومتاحة من مصادر عديدة، ويصعب تعقبها، [ويمكن شراؤها] بأسعار معقولة حتى بالنسبة لإيران الرازحة تحت وطأة قيود مالية. وبمرور الوقت، استفاد النظام من عمليات الشراء هذه لإنتاج مجموعة مبهرة من أنظمة الأسلحة البسيطة ولكن ذات القدرة العالية التي تلبي حاجات البلاد بشكل كافٍ وتسمح لها بأن تلعب دوراً أكبر من حجمها وتثبت حضورها.
على سبيل المثال، تمّ تنفيذ الهجوم الذي استهدف البنية التحتية للنفط في السعودية في أيلول/سبتمبر 2019 بواسطة 18 طائرة بدون طيار ذات أجنحة دلتا و 7 صواريخ جوّالة من نوع “قدس 1″، لكن هذه الترسانة الصغيرة نسبياً كانت كافية لخفض إنتاج النفط في المملكة إلى النصف لعدة أسابيع (ما يعادل حوالي 5 في المائة من الإنتاج العالمي). ووفقاً لـ فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، كانت محركات الطائرات بدون طيار المستخدمة في الهجوم نسخاً غير مرخصة من محرك بريطاني ربما يكون قد تم صنعها في الصين و/أو إيران، في حين تضمنت الأنظمة الخاصة بإلكترونيات الطيران، والتحكم في الطيران، والوقود مكونات من بريطانيا وإيرلندا وإيطاليا واليابان وبولندا وكوريا الجنوبية والسويد والولايات المتحدة. وبالمثل، كانت الصواريخ الجوّالة تعمل على نسخ إيرانية من المحرّك التوربيني النفاث التشيكي وتضمنت مكونات التحكم في الطيران والوقود من صنع ألمانيا وإيطاليا وسويسرا.
وتمكنت إيران من الحصول على هذه المواد التجارية ذات الاستخدام المزدوج على الرغم من العقوبات الدولية، ومن شأن رفع الحظر على الأسلحة أن يسهل الأمر. وحتى إذا بقيت العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب قائمة أو تمّ تشديدها، يمكن لإيران تجنبها من خلال شراء مكونات من شركات صينية أو بائعين آخرين ليست لديهم مصالح تجارية في الولايات المتحدة. وبالمثل، من المرجح أن تكون الدول التي لديها ضوابط تصدير ضعيفة أقل يقظة بشأن عمليات بيع وشراء مماثلة إذا تمّ رفع الحظر. ومن شبه المؤكد أن تواجه واشنطن صعوبات في إقناع بعض الدول باعتراض الأسلحة والمكونات ذات الاستخدام المزدوج المتوجهة إلى إيران إذا لم تكن هناك قرارات من مجلس الأمن تحظر ذلك.
وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تُفيد العديد من اتجاهات التقنية المتقدمة الناشئة جهود إيران لشراء الأسلحة وإنتاجها. فشركات خاصة من مختلف أنحاء العالم، وليس فقط مختبرات حكومية سرية للغاية في الولايات المتحدة وروسيا، تعمد بشكل متزايد إلى تطوير التقنيات المتقدمة ذات الاستخدام المزدوج. ولهذا السبب، سيكون من الصعب بشكل متزايد السيطرة على انتشار “تكنولوجيات تسوية جذرية” (على سبيل المثال، الذكاء الاصطناعي، والتصنيع المضاف، والروبوتات المتقدمة) التي يمكن أن تمكّن إيران من تضييق فجوات عسكرية معينة مع خصومها بشكل تدريجي. ونظراً لأن معظم الأسلحة الحديثة تعتمد على حواسيب مصغرة مدمجة، فقد لا يتطلب تطوير القدرات (على سبيل المثال، تسخير الذكاء الاصطناعي لإنشاء أسراب معقدة بدون طيار) سوى تنزيل إحدى البرمجيات، كما أشار القائد في البحرية الأمريكية جيرمي فوغان في دراسة قام بها عام 2017 “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية” (IISS). وحتى إذا تطلبت بعض هذه التحسينات مساعدة من مصممي برمجيات أجانب، فسيكون من الصعب رصد هذه المساعدة ومنعها.
بإمكان هذه الاستراتيجية الإيرانية للمكاسب الهامشية أن تشكل تحديات كبيرة فيما يخص انتشار الأسلحة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها. على سبيل المثال، دون فرض حظر على الأسلحة، قد تكتسب طهران التكنولوجيا لتحويل قذائفها البعيدة المدى إلى صواريخ، وتحسين دقة صواريخها البالستية القصيرة والمتوسطة المدى، واستحداث تدابير مضادة ووسائل اختراق (سحابات تغشية، أجهزة تشويش، أجهزة تمويه، ورؤوس حربية) لصد الدفاعات الصاروخية. وهذا يمكن أن يعزز القدرة الضاربة لقوتها الصاروخية بشكل كبير، مما يجعلها جهة مغيّرة لقواعد اللعبة في صراع مستقبلي. ولتوضيح ذلك: سيصبح بالإمكان استهداف نقطة ما كان يتطلب تدميرها سابقاً 100 صاروخ غير دقيق بواسطة 2-3 صواريخ عالية الدقة في المستقبل. كما من شأن ازدياد الدقة أن يرفع بشكل ملحوظ عدد الأهداف التي يمكن لطهران ضربها. كذلك، ومن المرجح تحقيق زيادات مماثلة في القدرات لأنواع أخرى من الأسلحة الإيرانية أيضاً. وسيعمل النظام على تزويد العديد منها لوكلائه الأجانب المختلفين – كما كان يفعل منذ سنوات في انتهاك لقرارات مجلس الأمن 2231 (2015) و 2216 (2015) و 1701 (2006). وفور حصول ذلك، سيصبح هؤلاء الوكلاء حتماً موردين لهذه الأسلحة في المستقبل، ويقومون بنقل الأسلحة الإيرانية إلى شركائهم.
الخاتمة
تُركز معظم المناقشات حول رفع الحظر على كيفية تأثير عمليات نقل الأسلحة الرئيسية على القدرات العسكرية الإيرانية. ومع ذلك، في حين أن مثل هذه العمليات تشكل مصدر قلق كبير، فقد يكون للعوامل الأخرى أثر عسكري أكثر أهمية على المدى الطويل. وعلى وجه الخصوص، من المرجح أن تُركز إيران على موارد أكبر حتى من أجل الحصول على المكوّنات ذات الاستخدام المزدوج، وتكنولوجيا الإنتاج، والمواد الخاصة اللازمة لتطوير أنظمتها الحالية ودفع قطاع الأسلحة المحلي قدماً. وتُعتبر هذه المقاربة أكثر منطقية للنظام مالياً وسياسياً وعسكرياً، لأن هذه الأنواع من عمليات الاستحواذ غير مكلفة نسبياً، ويصعب تعقبها، وتؤدي إلى تحقيق مفاجأة تكنولوجية أثناء الأزمات أو النزاعات. كما أنها أكثر اتساقاً مع جهود طهران لتحقيق “ثورة في المجال العسكري” من خلال السعي لتحقيق مكاسب هامشية تتيح لها تطوير قدراتها بشكل مفاجئ. وكما أظهرت التجربة، فإن المزيد من التقدم الإيراني من هذا النوع لن يصب في مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها، مع ما قد يترتب على ذلك من تداعيات مزعزعة للاستقرار في المنطقة وأسواق النفط العالمية.
مايكل آيزنشتات هو مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن. ويحدِّث هذا المرصد السياسي مقالة الكاتب من عام 2017 بعنوان “إيران بعد العقوبات: المشتريات العسكرية وقرارات هيكل القوة”.