ماذا وراء تصعيد العربدة الأميركية الصهيونية ؟
غالب قنديل
شكل اعتراض طائرة الركاب المدنية الإيرانية فوق سورية والإعلان الأميركي الرسمي عن المسؤولية في بيان أصدرته فورا قيادة المنطقة الوسطى في الجيوش الأميركية حدثا استفزازيا جديدا يرفع من منسوب التوتر بين المحورين المتقابلين في المنطقة وتصعيدا لمناخ المواجهة المحتدم منذ اغتيال القائدين الكبيرين الفريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وهو العمل الإجرامي الذي أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب المسؤولية عن تنفيذه.
أولا اعتراض طائرة الركاب كان ممكنا أن يتسبب بكارثة جوية كبيرة لولا جدارة الطاقم الإيراني واحتفاظه بقدرات التحكم بمسار الطائرة التي أعلن أن من كانوا على متنها هم مئة راكب إيراني ولبناني قادمين من طهران إلى بيروت وقد كمنت لرحلتهم الطائرات الحربية الأميركية فوق مثلث التنف في الأجواء السورية على ممرات العبور الجوي من العراق إلى سورية وهي زاوية معلومة في ممرات الطيران المدني وموجودة على سائر الخرائط الجوية وبالتالي فالكمين الجوي كان مدبرا مسبقا وليس مصادفة كما حاول البيان الأميركي ان يوحي بالكلام عن عملية تفتيش عادية عبر معاينة الطائرة وركابها عن مسافة قريبة ويقول خبراء الطيران ان مناورة الطيران الحربي في الجو فوق طائرة ركاب وتحتها هوعملية مربكة لطاقم طائرة الركاب قد تؤدي لسقوطها وتحطمها وهذا ما حصل في حوادث عديدة في أكثر من منطقة في العالم.
ثانيا هذه الحادثة تمثل تحرشا اميركيا مصمما وكان يمكن أن يتسبب بحادث خطير فلو اطلقت الدفاعات الجوية السورية نيرانها على الطيران الحربي الأميركي لكان من الاحتمالات وقوع الكارثة الجوية بإصابة طائرة الركاب لوقوعها بين دفتي النيران الموجهة إلى الطائرتين الحربيتين الأميركيتين وهذا ما يسجل لقوات الدفاع الجوي السورية حرصها المزدوج على سلامة الركاب وعلى عدم كشف أسرار عمل منظومات الصواريخ المضادة للطائرات التي تريد الولايات المتحدة والكيان الصهيوني اختبار قدراتها الفعلية باستدراج تفعيلها بعد الاتفاق السوري الإيراني الذي وقع اخيرا في دمشق ومنذ الإعلان الروسي عن إنجاز تسليم صواريخ اس 300 ومنظومات القيادة الإلكترونية الحديثة وتدريب أطقمها السورية وهذا ما يفسر تلاحق الاعتداءات الجوية الصهيونية من الأجواء اللبنانية ومن فوق هضبة الجولان السورية المحتلة وتحاشي انتهاك الأجواء السورية مباشرة بينما حصر الدفاع الجوي السوري رده باعتراض الصواريخ المعادية التي نجح في حرف بعضها وأسقط بعضها الآخر.
ثالثا شكلت الغارة الصهيونية قرب مطار دمشق خطوة استفزازية زادت من خطورة الوضع واعقبتها حالة من التوتر الشديد والعصاب الصهيوني خوفا من رد المقاومة على استشهاد احد مناضليها في الغارة وهو خط احمر سبق ان رسمه قائد المقاومة وتوعد بالقصاص عليه الأمر الذي ولد حالة من القلق والخوف داخل الكيان الصهيوني المستنفر منذ أيام في حيرة الفرضيات حول طبيعة رد المقاومة ومداه وموضعه وتوقيته وهو ما يبرز حتى الساعة أن محور المقاومة لم يتخذ قرار الرد العملي الرادع رغم تذكير الإمام السيد علي الخامنئي وبقوة بأن الحساب ما يزال مفتوحا في الرد على اغتيال القائد الشهيد سليماني وكان لافتا صدور الإعلان مرة جديدة خلال استقبال مرشد الجمهورية لرئيس الحكومة العراقي معطوفا على التحذير من مخاطر استمرار الاحتلال الأميركي على أرض العراق وحث العراقيين على طرده والتخلص منه.
رابعا من الواضح ان محور المقاومة يتحضر للرد على محور الهيمنة الاستعمارية الصهيونية وتأكيد معادلات الردع التي حققها حتى الآن وهو يعزز جهوزيته على جميع الجبهات ويتحضر لجميع الاحتمالات وحساب الاشتباك الكبير ليس بعيدا عن منطق التعامل مع استحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية ومسار التأزم الشديد داخل الكيان الصهيوني وحيث تغدو قيمة التوقيت مهمة للغاية فمن الواضح ان كلا من إدارة ترامب وحكومة نتنياهو تفضلان الهرب من جحيم المأزق الكبير اقتصاديا وسياسيا إلى استدراج اشتباك مع محور المقاومة رغم الكلفة الكبيرة المتوقعة والتداعيات الخطيرة المرتقبة اذا استعصى ضبط الاحتكاك على خط الردود الموضعية المحسوبة فأي تدهور نحو حرب إقليمية سيطرح تهديدات وجودية للكيان الصهيوني وللوجود العسكري الأميركي في المنطقة والأسئلة التي تطرح نفسها في تقدير الموقف هي هل يسعى محور المقاومة إلى مواصلة الاستعداد والحفاظ على الجهوزية وإدامة الحيرة والتوتر على جبهة المحور الأميركي الصهيوني في استنزاف مضبوط للقدرات والأعصاب؟ وهل يفضل محور المقاومة عدم الاشتباك الواسع في التوقيت الذي يفضله المخططون الأميركيون والصهاينة لحساب معركة ترامب الانتخابية ولرغبة نتنياهو في الهروب من مازقه الاقتصادي والسياسي وهل ستكون الخاتمة في هذا التشنج الخطير والحسابات المجمعة اختيار توقيت يناسب محور المقاومة لفتح الحسابات المجمعة المتراكمة قد يأتي على الأرجح بعد الانتخابات الأميركية بينما تشير البيانات الأميركية والصهيونية على السواء إلى حرص شديد على تحاشي المواجهة الكبرى؟