ذكرى ثورة تحررية لا يمحوها الزمن
غالب قنديل
غدا هو الثالث والعشرون من يوليو تموز اليوم الذي انطلقت فيه حركة التحرر بقيادة جمال عبد الناصر بكل ما يرمز إليه في الذاكرة القومية من قيم الكرامة والعنفوان وحلم الوحدة العربية ونموذج التحرر من الاستعمار الغربي ومقارعة منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية.
اولا تؤكد الوقائع العربية الراهنة ان الصراع ما يزال مستمرا بين الاتجاهين والمحورين في منطقتنا اتجاه التحرر ومحور المقاومة والتمرد من جهة واتجاه الخضوع والعمالة ومحور الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية من جهة أخرى والتبدلات التي وقعت على الضفتين بعد الانقلاب على الميراث الناصري وانتقال الحكم في مصر إلى محور الهيمنة بعد كمب ديفيد تؤكد حتمية نهوض وتبلور قوى مناهضة للهيمنة والعدوان وضد السيطرة الاستعمارية الصهيونية الرجعية وهي تعكس خصائصها وتلاوينها الفكرية والعقائدية في التعبير عن طابعها التحرري وجوهرها المناهض للاستعمار الغربي ونزوعها إلى التوحد والتناغم في وجه العدو المشترك مع استمرار التكالب الاستعماري بقيادة الإمبراطورية الأميركية التي بلغت درجة عالية من الفجور واللصوصية والاندماج التام بالمشروع الاستعماري الصهيوني الذي كان عشية ثورة يوليو في خطواته الأولى بعد اغتصاب فلسطين وهو اليوم في مرحلة من التغول يتحضر لموجة اقتلاع وتهويد جديدة لكنه مكبل بمعادلات الردع التي أقامها محور المقاومة ورسخ جذورها ولا تزال الشعارات الناصرية عن عروبة فلسطين وضرورة توحيد الجهود في وجه التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني وأذنابه في الدول العربية تؤكد جدواها وحيويتها واهميتها.
ثانيا رغم الإنكار والشائع إن فكرة الوحدة العربية ما تزال حية تشير إلى اهميتها جميع وقائع حياة العرب اليومية بين المحيط الخليج تاكيدا لنظرة جمال عبد الناصر إلى طبيعة القوة الهادرة التي يمكن ان يوفرها توحيد الطاقات والثروات والإمكانات والتحرر من الهيمنة اللصوصية الغربية وفكرة الشراكة وكذلك فكرة التحالف مع شعوب الشرق الحرة التي آمن بها الزعيم الخالد جمالد عبد الناصر في نضاله التحرري تؤكد اهميتها فهو توجه إلى شعوب الشرق والجنوب في بناء تحالفاته لمجابهة الاستعمار الغربي وكان ركنا في حركة عالمية مناهضة للهيمنة من خلال مجموعة عدم الانحياز بالشراكة مع الهند والصين ويوغوسلافيا وانشا حلفا وثيقا مع الاتحاد السوفيتي وكان في تشخيصه المعروف والمعلن كل نظام رجعي عميل جزءا من الحلف المعادي التابع للاستعمار وفي المقدمة نظام الشاه البائد والنظام السعودي ولوكان ناصر بيننا لكانت علاقته بالجمهورية الإسلامية منذ قيامها علاقة شراكة وتحالف ولكان مقعد مصر محفوظا ورئيسيا في محور المقاومة والتحرر إلى جانب سورية وقائدها الرئيس بشار الأسد صاحب فكرة وشعار التوجه شرقا والذي يقود مقاومة سورية صلبة وعنيدة ضد العدوان الاستعماري الصهيوني الرجعي الذي يستهدف سورية منذ عشرة اعوام بهدف إخضاعها ولو كان ناصر بيننا لشهدناه في دمشق يشبك قبضته مع الرئيس الأسد والسيد قائد المقاومة على عهد المقاومة والتحرر.
ثالثا ليس جمال عبد الناصر حالة عابرة في التاريخ العربي بل هو ركن أساسي وتاريخي ينبغي التمسك به في نسج وتكوين الوعي التحرري العربي وليس استذكار ثورة يوليو ولا إحياء الذكرى ضربا من الحنين إلى الماضي بل تجسيد لميراث تحرري ملهم لابد من التمسك به في معركة الوعي العربي الجديد ضد الاستعمار والنهب اللصوصي وفي ثقافة رفض الهيمنة والمقاومة التحررية ولابد من رد الاعتبار لاهمية النموذج الناصري التحرري على صعيد النضال القومي والوطني وعلى مستوى مضمون التحرر الوطني والبناء الوطني الاقتصادي والاجتماعي التحرري الذي قدمته الناصرية كحركة في المجتمع المصري بمشاريع التصنيع والبناء الاقتصادي المستقل والاعتماد على الزراعة والصناعة اللتين دمرتهما القوى التابعة للهيمنة بعد انكفاء الحركة القومية وغياب جمال عبد الناصر وبعد سلسلة من الهجمات الاستعمارية الرجعية التي استهدفت تفكيك ميراث عبد الناصر ونموذجه الوطني.
رابعا كما تفعل الشعوب المناضلة في العالم باستلهام سير أبطالها ورموزها وقيمهم لتبني عليها ثقافة تحررية معاصرة يجب ان تكون التجربة الناصرية احد اهم روافد الوعي العربي الجديد الذي نحتاج إلى إطلاقه في الوطن العربي بأسره وفي كل رقعة عربية تعيش تحت وطاة الهيمنة والنهب والحروب والغزوات والتهديدات وحيث تمثل تجربة عبد الناصر معينا زاخرا بالدروس عن كيفية امتلاك القوة وتعبئة الطاقات الشعبية في التصدي للحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي وما يفرضه هذا الحلف المعادي من حصار على سورية ولبنان واليمن يستدعي زادا ناصريا من الكرامة القومية والوطنية وإرادة التحرر الصلبة التي تجسدها قوى محور المقاومة وتعزيز ثقافة الاعتماد على النفس والثقة بالشعب واستنهاض وعيه وطاقته في معارك تفكيك الحصار وتحدي فصوله الصعبة وهو بالذات ما تخوضه اليوم قيادتا سورية والمقاومة اللبنانية ..
سيبقى لثورة يوليو ولميراثها التحرري العظيم مكانة مهمة ورئيسية في وجدان العرب ومنها سنحفظ دروسا كثيرة عن وحدة المصير والطابع القومي لمعاركنا وضرورة توحيد جهودنا وطاقاتنا فالعدو الاستعماري الصهيوني الرجعي هو المستفيد من تحول ساحاتنا إلى معازل تخرج عن طبيعة الصراع ووحدته مهما استغرقنا في خطب الخصوصية المفسدة للوعي فلبنان وسورية واليمن والعراق وإيران هي ساحة واحدة للتحرر والمقاومة وليست نطاقات منفصلة لمعارك متفرقة ولو كان عبد الناصر حيا لأعلن القائد الشهيد قاسم سليماني بطلا قوميا تمجده مصر مع بلدان الشرق العربي التي بذل دماءه من اجل الدفاع عنها وهو القائد الإيراني الحليف والشريك الذي قتله الحلف الاستعماري الصهيوني المتربص بكل نسمة تحرر على أرض العرب.