هل من مبرر لانتظار الانتخابات الأميركية ؟
غالب قنديل
يروج العديد من الكتاب لفرضية ميل محور المقاومة والاستقلال في المنطقة إلى انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية وسط شيوع معلومات عن ارتفاع حظوظ المرشح الديمقراطي المنافس للرئيس دونالد ترامب ويبنى منطق الانتظار الموحى به فعليا على فرضية احياء أي إدارة أميركية جديدة يشكلها الرئيس الديمقراطي المنتخب للاتفاق النووي الإيراني وما رافقه من تفاهمات إقليمية يفترض المروجون وجودها ويتنبأون بإمكان العودة إليها وهي لم تنوجد أساسا.
أولا يتجاهل مروجو هذه الفرضية حقيقة أن إدارة أوباما الديمقراطية قادت الحربين المستمرتين والأشد بشاعة ووحشية ضد محور المقاومة وهما العدوان على سورية وحرب الإبادة الأميركية السعودية على اليمن التي انطلقت بتخطيط من إدارة أوباما قبل سنة من الانتخابات الرئاسية التي حملت ترامب إلى البيت الأبيض ويتجاهل هؤلاء انفسهم ان إدارة اوباما الديمقراطية هي التي خططت وادارت وفق استراتيجية القيادة من الخلف ما عرف بغزوة داعش وقد استهدف التخطيط الأميركي المباشر آنذاك ان تسيطر هذه الحركة الإرهابية التكفيرية بنموذجها الدموي اللصوصي على اجزاء واسعة من الأراضي السورية والعراقية واللبنانية وتقطع اوصال الشرق العربي وجاءت بالبرهان تصريحات هيلاري كلينتون ودونالد ترامب عن خفايا تأسيس داعش في معسكرات وسجون جيش الاحتلال الأميركي على أرض العراق.
ثانيا لا مجال لتجاوز قواعد التفاوض التي رسمتها إيران قبل توقيع الاتفاق النووي وبعده فقد صممت على حصر موضوع الاتفاق بحقوق إيران النووية المشروعة بالحصول على التقنيات النووية من خلال برنامج التخصيب الهادف إلى امتلاك القدرة التقنية على تحويل ثروة إيران الطبيعية من مخزون اليورانيوم إلى مصدر لإنتاج الطاقة النووية وبالتالي دخول السوق العالمية لهذه الطاقة المستقبلية إلى جانب الدول الصناعية الكبرى وهو ما سعت الإمبراطورية الأميركية لمنع إيران من تحقيقه متذرعة بكذبة القنبلة النووية فهذا التحول يمكن أن يجعل من إيران قوة صناعية عالمية متقدمة ويمكنها من تطوير صناعاتها التعدينية والإلكترونية ويجعلها منافسا رئيسيا لكبريات الدول الصناعية في سوق المحطات الكهربائية العملاقة التي تعمل بالطاقة النووية ومعها سوق الوقود النووي.
ثالثا من اهم قواعد التفاوض التي فرضتها إيران على إدارة باراك اوباما كانت منع أي ربط بين الاتفاق النووي ومواقف إيران من العدوان على حليفها السوري وقضية فلسطين ورفضت طهران أي نقاش خلال المفاوضات في هذين الموضوعين او في مسار دعمها لقوى المقاومة في المنطقة وقد اضطرت ادارة اوباما إلى توقيع الاتفاق النووي رغم الرفض الإيراني الصارم الذي زادته ثباتا احداث ما بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي بحيث من المستبعد ان تقبل إيران بما رفضته سابقا من مساومات في حين ان إدارة اوباما ورغم تاكيد التزامها بتنفيذ الاتفاق واتخاذها إجراءات مالية لتفكيك بعض العقوبات جزئيا شرعت بعد توقيع الاتفاق مباشرة في تكوين ملف جديد من خلال ممارسة الضغوط وتدشين مسار عقوبات خاص بصناعة الصواريخ الباليستية الإيرانية التي عجزت عن إقحامها في جداول التفاوض او التفاهم مع القيادة الإيرانية وهو ما تابعه فريق ترامب ويرجح ان تواصل العمل عليه أي إدارة اميركية ديمقراطية وينبغي التذكير بأن المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن كان على رأس مجموعة الضغط والاشتباك داخل فريق اوباما.
رابعا رغم قرب الاستحقاق قد يكون من السابق لأوانه التكهن بحاصل السباق الرئاسي الأميركي وباحتمالات التوجه الذي سيعتمده دونالد ترامب لو أعيد انتخابه بسبب ضبابية الحصيلة الأميركية الداخلية بعد احداث واضطرابات عاصفة ودامية تداخلت معها جائحة كورونا وتفاعلات انكماش اقتصادي خطير وفي ظل المزايا الخاصة لشخصية الرئيس ترامب وأسلوبه القيادي ورغم ترجيحات فوز بايدن في استطلاعات الرأي تبقى التبدلات واردة في منافسة باتت محكومة بالقلق والاضطراب.
ما يمكن الجزم بشأنه أنه لامبرر لمنطق الانتظار السلبي وتعليق الخيارت والقرارات التي تفرضها إدارة الصراع على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي لن تؤثر على الموقف الأميركي من الصراع العربي الصهيوني ومن محور المقاومة ولن تكون عودة الإدارة المقبلة إلى الاتفاق النووي مدخلا إلى منطق التسويات والتفاهمات كما يتوهم البعض فالبراغماتية الأميركية لا تعني الذهاب إلى مفهوم الصفقات الشاملة خصوصا في ظل الاندماج الأميركي الصهيوني وغير المرشح للتراجع أيا كان الرئيس المنتخب كما تشير جميع الوقائع.