تكامل الشرق العربي هو الحل الجذري
غالب قنديل
خلال نصف القرن الماضي فرضت الغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية بشبكاتها الثقافية ومنابرها الإعلامية تراجعا في المفاهيم والتعابير والمصطلحات السياسية وبات القوميون ودعاة الوحدة القومية بالكاد يفصحون عن أفكارهم التي انطووا عليها في مواجهة إرهاب فكري شامل صاحب موجات العولمة وهم ما زالوا على انطوائهم رغم ارتداد الغرب إلى حدود الدول القومية وانكفائه عن الكثير من خطوط العولمة الثقافية ونموذجها الأميركي ودعواتها وخياراتها في العلاقات بين الدول.
أولا إن ظروف الأزمات تستدعي الشجاعة في طرح الخيارات التي توصف بانها غير عادية وغير مألوفة ومخالفة لبديهيات كانت شائعة وسائدة ومسلما بها فالخروج من حالة انهيار البنى الاقتصادية والاجتماعية وانحلالها يتطلب شجاعة وإقداما في ابتكار نماذج جديدة تلائم المصالح الوطنية والقومية والسعي لتسهيل انبثاقها عبر تكوين وعي سياسي وشعبي وصياغة خطاب تحرري يقود إلى بناء إرادة سياسية جديدة قادرة على حمل مشاريع إعادة البناء الوطني.
تقود النظرة إلى واقع الحال في الشرق العربي أي في سورية والعراق ولبنان إلى وجود مشكلات متشابهة ومعاناة عميقة بفعل ما تفرضه منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية فلبنان يواجه اختناقا اقتصاديا وماليا شديد الوطأة والاحتلال الأميركي يحجب عن سورية نصيبا أساسيا ومهما من ثروتها النفطية والزراعية وهو يلقي بأعباء كبيرة على الاقتصاد العراقي بينما تتركز العقوبات والضغوط الاقتصادية الأميركية على منع التواصل بين البلدان الثلاثة واعتراض فرص التنسيق والعمل المشترك تحت شعار منع توسع محور المقاومة والتحرر بذريعة منع تمدد ما يسميه الأميركيون النفوذ الإيراني.
ثانيا المعطيات الاقتصادية التكوينية للبلدان الثلاثة تقدم نموذجا نظريا متميزا للتكامل ولفرص التنمية في جميع المجالات الاقتصادية تعززه روابط الأخوة الراسخة عبر التاريخ بين الأشقاء في البلدان الثلاثة وفي كل من مجالات الحياة يكتشف المواطنون في لبنان وسورية والعراق ما تختزنه الشراكة بين بلدانهم وحكوماتهم من الإمكانات والفرص وقد اورثت الحروب والأزمات المرهقة حالة من القطيعة وانسداد الشرايين الواصلة التي لم تنقطع يوما عبر التاريخ ولم تفلح التجزئة والتقسيمات الاستعمارية في وقف خفقانها ونبضها الذي كان دائما علامة الحياة والتجدد.
الوحدة الاقتصادية بين دول الشرق العربي الثلاث هي الاستحقاق الراهن والداهم للخروج من حلقة الاستنزاف والكوارث المتلاحقة وهو ما يجب ان يجري التفكير فيه والتخطيط لإنجازه والتحرك العملي في هذا السبيل أجدى ألف مرة للبنان من انتظار الترياق الغربي او الخليجي المقرون بشروط سياسية تنافي أصول السيادة والاستقلال.
ثالثا الان وفي هذه الظروف نحتاج في الشرق العربي إلى حركة وحدوية اقتصادية تضم العراق ولبنان وسورية والأردن وتفتح جسور التعاون مع المحيط القريب عربيا وإقليميا وتقيم مساكنة بين الأنظمة السياسية المختلفة على أساس اولوية الشراكة في الحياة ووحدة التطلعات إلى تكامل اقتصادي منتج يؤسس لمستقبل اكثر امانا واستقرارا. وليقل من يشاء إن هذه الفكرة تنتمي إلى الحلم القومي المغدور فنسج الأحلام المبنية على الواقع بروح التغيير والتقدم والكفاح لتحقيقها هي روح الحركة التاريخية للشعوب ولبناء مصائرها وجميع التحولات الكبرى انطلقت على هذا النحو.
بكل وضوح استهلكت التجارب المبنية على السدود والحواجز والحدود في بلادنا العربية وفي محيطنا الشرقي جميع هوامشها التاريخية المتاحة وبات التطور والتقدم رهنا بالتطلع إلى إقامة نموذج عابر للحدود يبني ركائزه على التقارب الجغرافي والثقافي والقومي والمصالح المترابطة والمتداخلة رغم كل شيء.
رابعا في حمى التغييرات العالمية الصاخبة ستكون وحدة الشرق العربي قوة مؤهلة للشراكة مع إيران والصين وروسيا وللمساهمة في مشروع طريق الحرير الجديد الذي تقوده الصين من خلال مبادرة الحزام والطريق التي تعرض على سورية ولبنان والعراق والأردن فرصا زاخرة بالقدرات الصناعية والمشاريع العمرانية والشبكات الإقليمية في توليد الطاقة والنقل السريع وهي تنطوي على إمكانات هائلة وواعدة اقتصاديا وتقنيا في جميع المجالات وبالذات في ميادين التطور الصناعي والزراعي والسياحي والمصرفي والتكنولوجي وهذا هو طريق الخروج من حلقات التأزم الاقتصادي والمالي والاجتماعي عبر تامين فرص العمل وتكامل القدرات وتشبيك المصالح.
الفكرة الخلاقة التي ينبغي الانطلاق منها هي فكرة وحدة بلدان الشرق العربي اقتصاديا وتكاملها ويمكن للبنان ان يجد الكثير الكثير من حاجاته ومصالحه الحيوية الملحة في هذه الظروف عبر التعاون والشراكة مع سورية والعراق وإيران والصين فهذه الشراكة هي المجدية وهي التي يعول عليها في توليد فرص العمل واستجلاب فرص التمويل والرسملة للقطاعات المتهالكة بهدف إحيائها وإنعاشها وتجديد طاقتها المنتجة للثروة ويمكن البحث في قلب الوحدة الاقتصادية الشرقية عن فرص إعادة الحياة إلى قطاعنا المصرفي من خلال وظائف استثمارية إقليمية وعبر شراكات جديدة تعيد الحياة لعروقه اليابسة من بوابة الشراكة العابرة للحدود.