تأهب إسرائيلي: محكمة لاهاي قد تقرر التحقيق بجرائم حرب
تسود حالة تأهب في إسرائيل حيال احتمال أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، خلال الأسبوع الحالي، قرار يسمح للمدعية العامة في المحكمة،، فاتو بنسودا، بالتحقيق في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين.
والاعتقاد في إسرائيل هو أنها ستتلقى إنذارا قصيرا، قبل يوم واحد أو اثنين، من صدور قرار المحكمة، حسبما ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم، الثلاثاء، لأن المحكمة الدولية ستخرج إلى عطلة في نهاية الأسبوع الحالي، وفي حال عدم إصدارها القرار حتى يوم الجمعة المقبل، فإنه سيُرجأ إلى ما بعد العطلة.
وتشير تقديرات في إسرائيل إلى أن المحكمة سترجئ قرارها إلى ما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وبعد أن يتبين ما إذا كان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سينتخب لولاية ثانية أم لا.
وتأتي هذه التقديرات في أعقاب توقيع ترامب، الشهر الماضي، على أمر رئاسي يقضي بفرض عقوبات اقتصادية على جهات رفيعة في المحكمة الجنائية الدولية ضالعة في محاولة التحقيق ومحاكمة جنود أميركيين ارتكبوا جرائم حرب في أفغانستان، أو حلفاء للولايات المتحدة، وبضمنهم إسرائيل. ويقضي الأمر الرئاسي بمصادرة أملاك تلك الجهات القضائية الدولية ومنع دخولهم هم وعائلاتهم إلى الولايات المتحدة.
وتقاطع إسرائيل إجراءات المحكمة الدولية ضدها، وامتنعت عن تقديم ردها بشأن التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها، معتبرة أنها بذلك لا تمنح شرعية للمحكمة.
رغم ذلك، فإن الرأي السائد في إسرائيل، وفقا للصحيفة، هو أن تتبنى المحكمة الدولية موقف بنسودا بشأن وجود صلاحية للمحكمة بالتحقيق في جرائم إسرائيلية بحق الفلسطينيين في كافة أنحاء الأراضي المحتلة عام 1967. ويعتبر رأي آخر أن المحكمة سترفض موقف بنسودا أو تقرر عدم التدخل وتعيد القضية إلى المدعية.
وتطالب بنسودا المحكمة بتحديد الحدود الإقليمية التي سيجري التحقيق في إطارها بجرائم الحرب الإسرائيلية، علما أن المدعية تؤكد أن التحقيق يشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. وترى إسرائيل أنه في حال تبني المحكمة لموقف بنسودا، فإننها تكون بذلك قد قررت حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بنظرة إلى قرارات قضاة المحكمة السابقة فإنه توجد “مشكلة” بالنسبة لإسرائيل، وذلك لأن هيئة القضاة لا تتغير، وكانت قد قررت،، في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2018، أن تعيد بنسودا النظر في قرارها بعدم فتح تحقيق في قضية أسطول الحرية من العام 2010 وقتل سلاح البحرية الإسرائيلية 10 ناشطين كانوا على متن السفينة “مافي مرمرة”. وأصدر القضاة قرارا أوعزوا فيه لمسجل المحكمة بتشكيل منظومة معلوماتية والتوجه إلى الجمهور لصالح ضحايا في فلسطين، وذلك في مرحلة تقصي الحقائق الأولية.
ونقلت الصحيفة عن الباحثة في “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب والرئيسة السابقة لدائرة القانون الدولي في النيابة العسكرية الإسرائيلية، بنينا شارفيط باروخ، قولها إنه “بكلمات أخرى، يدور الحديث عن هيئة قضائية توجهاتها ليست مؤيدة لإسرائيل،ن في أفضل الأحوال“.
والتخوف في إسرائيل هو أنه في حال قررت المحكمة الجنائية الدولية أن لبنسودا صلاحية بدء تحقيق في جرائم حرب، فإن مسؤولين إسرائيليين – عسكريين بمستويات مختلفة وكذلك الذين يدفعون لأنشطة استيطانية، وبينهم سياسيون – سيواجهون إجراءات جنائية ضدهم، وخاصة إصدار مذكرات اعتقال بحقهم أو مذكرات للمثول أمام المحكمة. ولفتت الصحيفة إلى أن “بين هؤلاء المسؤولين قد يكونن رئيس الحكومة، وزراء، رئيس أركان الجيش (الحالي والسابقين)، قادة مناطق عسكرية وضباط كبار، وكذلك قادة المستوطنين“.
ويتوقع أن تقاطع إسرائيل المحكمة الدولية ورفض التعاون معها، لكن أمر كهذا يمكن أن يدفع المحكمة إلى إصدار أوامر اعتقال سرية ضد إسرائيليين ولن تتمكن إسرائيل من العلم بها بالضرورة. وأضافت الصحيفة أن أمرا كهذا يحتم على إسرائيل أن تجري استعدادات خاصة وأكثر حذرا حيال سفر مسؤولين وضباط كبار إسرائيليين إلى خارج البلاد، تحسبا من اعتقالهم.
وقالت الصحيفة إن إسرائيل تبلور “سلة أدوات من أجل مواجهة تحقيقا كهذا من جانب محكمة لاهاي، وبضمنها مظلة دفاعية لمسؤولين إسرائيليين وضباط ستقرر المحكمة التحقيق ضدهم. كما ستعمل إسرائيل من أجل نزع شرعية المحكمة وتطلب من الولايات المتحدة ممارسة عقوبات أخرى ضد المحكمة“.
وعقد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في الأسابيع الأخيرة، عدة مداولات استعدادا لقرار المحكمة الدولية، وشارك فيها وزراء، وستعلن وزارة الخارجية الإسرائيلية عن “جهد سياسي في الموضوع”. وقال مسؤولون إسرائيليون إن “قضية لاهاي سترافقنا لفترة طويلة وستسبب لنا صداعا كبيرا، لكن إسرائيل ليست عاجزة وثمة ما يمكن أن نفعله في هذا الصدد“.
وأكد شارفيت باروخ على أن “أوامر اعتقال يمكن أن تصدر بشكل سري ومن دون علم الشخص الذي يصدر أمر الاعتقال ضده. وبعد صدور أمر الاعتقال، ستلتزم أي دولة عضو في المحكمة بتنفيذه ونقل المعتقل إلى المحكمة في لاهاي. وهناك 122 دولة عضو في المحكمة، وتضم جميع دول أوروبا الغربية تقريبا والقارة الأميركية، باستثناء الولايات المتحدة، وبعض الدول الأفريقية وأستراليا واليابان ودولا أخرى في آسيا“.
وأضافت أنه “لا توجد حصانة أمام المحكمة لوزراء وقادة دول، وبضمنهم أولئك الذين لا يزالون في ولايتهم. ويعني ذلك أنه إذا صدرت أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين، فإنه ستُقيد عمليا إمكانية سفرهم إلى دول كثيرة“.
وتابعت شارفيت باروخ أنه “يتوقع معركة صعبة لإسرائيل، خاصة بكل ما يتعلق بالانشغال بـ’جريمة’ المستوطنات. وفي المقابل، وبكل ما يتعلق بجرائم الحرب التي تطرق إلى الجرف الصامد (العدوان على غزة عام 2014)، فقد أبقت المدعية (بنسودا) ثغرة لقبول ادعاءات بأن هذه الحالات ليست مقبولة للتداول في المحكمة، بالاستناد إلى مبدأ مكمل، بأن تجري إسرائيل تحقيقات صادقة بشأنها، وفيما تذكر بالإيجاب استقلالية المحاكم في إسرائيل. ولذلك يوجد احتمال لسد الطريق أمام إجراءات دولية في هذا المجال”.