واشنطن تعود إلى “القيادة من الخلف” واثارة الانقسامات
غالب قنديل
أثارت وتيرة التراجع التكتيكي في اللهجة الأميركية اتجاه الحكومة اللبنانية وما بدا من تفكيك لبعض مظاهر الحصار عبر إجازة منافذ خليجية واوروبية تنعش الآمال بتقطير بعض الإنعاش المالي المحتمل حالة من الارتباك السياسي والإعلامي في فهم ما جرى من تبدل ظاهر عبرت عنه لهجة السفيرة الأميركية دوروثي شيا وما تردد عن مضمون لقاءاتها الأخيرة التي قيل إنها طلبت فيها رسائل حكومية رسمية حول الإعفاءات من عقوبات قانون قيصر الأميركي واظهرت تفهما لبحث الحكومة في العروض من الصين والعراق وتحاشت اثارة موضوع العرض الإيراني الذي طرحه قائد المقاومة مؤخرا بما يمثله من معادلة مالية إنقاذية توفر المشتقات النفطية بالليرة وتؤمن سيولة لا يستهان بها لتحرير قسم من الودائع التي تثير قلق أصحابها.
اولا الإمبراطورية الأميركية هي قوة استعمار ونهب وهيمنة وهي رأس منظومة الهيمنة ومحورها المكرس لفرض السيطرة الصهيونية الأميركية على المنطقة وهذا امر لم يتبدل فيه شيء والتبدل المحكي عنه يطال بالذات سلوك الإمبراطورية اتجاه لبنان الذي اتسم بأقصى درجة من التصعيد السياسي والاقتصادي الذي دفع الحكومة بعد طول امتناع إلى قبول التعامل بإيجابية مع الخيار الشرقي الذي كانت تخشى اتباعه لتحاشي استثارة الغضب الأميركي وقد تبين للحكومة واقعيا ان المؤشرات العملية التي قدمتها في خطوات تدل على التعامل بجدية مع ملف التوجه شرقا فرضت على المستعمر الأميركي اجراء حساب جديد والانتقال إلى منهجية غير تصادمية في التعامل الرسمي.
ثانيا هذا التراجع التكتيكي جاء عملا بمشورة جيفري فيلتمان الذي اكد على تحاشي دفع لبنان إلى احضان روسيا والصين وإيران وسورية تحت وطأة الانهيار الكبير والواقع ان الليونة الأميركية ما تزال محصورة في الشكل من خلال عودة السفيرة إلى لهجة المجاملة الدبلوماسية لكن شيئا عمليا لم يترتب بعد على الوعود الكثيرة وهذا يقتضي من الحكومة التمسك بعناصر القوة المتمثلة في اشاراتها حول الانعطاف نحو الشرق مع جميع الشروحات المرفقة في تصريحات الرئيس دياب عن التوازن في الشراكة مع الشرق والغرب بمنظور المصالح اللبنانية فالتسريبات الأميركية والفرنسية بما فيها من وعود جديدة لم تكن مطروحة سابقا ويراد منها اعتراض الخطوات العملية في الشراكات الشرقية او تأخيرها في أفضل الأحوال وهذا ما سيزيد من وطأة المعاناة اللبنانية لأنه تاخير لفرص الانفراج الحقيقي اقتصاديا وماليا.
ثالثا مع كل خطوة عملية في طريق الشراكات الشرقية سيجد الغرب بقيادته الأميركية انه في مزاد لا مفر منه ولا يجب ان تتردد الحكومة في تعليق جرس المباراة دون تردد من خلال خطوات عملية وعبر عقد اتفاقات ومباشرة تنفيذها في أسرع وقت وتجميع المكاسب الممكنة وهذا ما هو متاح مع العراق والصين وسورية ولا مبرر للتردد او للخوف من رد الفعل الأميركي الذي إن جاء معترضا فهو سقوط لإدارة ترامب في امتحان حسن النوايا يبرر المزيد من الخطوات في طرق الشراكات الجديدة وإن جاء بمبادرات تخفف من الضغوط وتنطوي على عروض مساعدة جدية فلبنان هو المستفيد من وراء هذه الإدارة السياسية الذكية لمقاومة الضغوط والعقوبات ولعل الاعفاءات من عقوبات قيصر الأميركية ستكون هي الامتحان الأهم للموقف الأميركي ويفترض بالحكومة ان تعكف فورا على مباشرة العمل على هذا الملف دون إبطاء لتنتقل إلى تفعيل العلاقات مع الشقيقة سورية.
رابعا يتضح من متابعة التحول في خطاب البطريركية المارونية ودورها ان المستهدف هو موقع الرئيس العماد ميشال عون السيادي الصارم في وجه عقوبات الاستعمار المالي الأميركي وخياره الوطني الداعم لشرعية المقاومة وما يحظى به من مساندة شعبية عريضة ووفق المعلومات المتداولة فإن فريق عمل سياسي يضم ثلاثة وزراء سابقين تربطه علاقات وثيقة بالغرب وبالولايات المتحدة وفرنسا بالذات هو الذي يعكف على إعداد المشروع المقترح حول السعي إلى قرار دولي بتحييد لبنان تحت شعار انه يتعرض للضغط بهدف ضمه إلى احد المحاور والمقصود بالطبع هو محور المقاومة والتحرر في المنطقة والغاية بالتحديد هي حراسة التبعية للغرب وتأكيد الارتباط بمحور الهيمنة الأميركية الغربية وخوض معركة يجري الإعداد لها ضد المقاومة ودورها وضد مبادرات الشراكة الشرقية دون أي نقاش جدي بمنطق المصالح الوطنية اللبنانية مع الخيارات والفرص والعنوان هو رفض تغيير وجه لبنان بروحية الاستلاب الاستعماري الموروث منذ الانتداب الفرنسي وبالحصانة الطائفية التي توفرها عباءة البطريركية على أمل احتماء اللعبة الجديدة والخبيثة بعصبيات الانقسام.