هل يسقط «قيصر» من بوابة الحلف الصيّني ـ الإيرانيّ؟: د. وفيق إبراهيم
هذا افتراض أوليّ، لكن تداعياته مرشحة لإحداث تغيير كبير في مستقبل الشرق الأوسط على قاعدة الاستمرار في التراجع الكبير للأميركيين وتقدّم موازٍ لمحاور منافسة تتحضر لملء الفراغات.
هل هذا ممكن؟
التعمّق في وثيقة التعاون الصينية – الإيرانية الأخيرة تكشف أنها أكبر من اتفاق عابر يستفيد منه طرفاه ويولون منصرفين إلى مصائر اقتصادية أخرى.
أولاً المدة الزمنية لهذه الوثيقة هي 25 عاماً، ما يمنحها طابعاً استراتيجياً دائماً لتغييرات عميقة في الاقتصاد تنسحب على السياسة.
ثانياً: تخترق هذه الوثيقة حظراً اقتصادياً معيشياً على إيران يسمّى «قيصر» وهدفه خنقها ومنع كل بلدان العالم من التعاون معها، وكل مخالف لشروطها يتعرّض بدوره لعقوبات أميركية، أي أن الصين مهيأة لهذه العقوبات ولن تتأخّر بالرد عليها من المستويات نفسها وربما أكثر.
ثالثاً: تشمل هذه الوثيقة إعادة بناء أساسية لكل المرافق الإنتاجية والاقتصادية والإدارية في إيران مع تعاون عسكري في مختلف المجالات، وهذه فرصة لإعادة تحديث إيران المحاصرة منذ 1980 والممنوع عنها أي استيراد أو تصدير فعليين منذ تاريخه.
رابعاً: كلفة هذه الاتفاقية تزيد عن 600 مليار دولار مرشحة للازدياد، بما يؤشر لاستراتيجية دورها في تأسيس بناءات اقتصادية وعسكرية دائمة تؤدي بشكل طبيعي إلى تقاربات عميقة في السياسات بين البلدين وعلى مستوى الشرق الأوسط.
خامساً: يذهب قسم من الاتفاقية نحو تأهيل جزر إيرانية متناثرة في بحري الخليج وقزوين وبعض المناطق قرب الحدود العراقية وآسيا الوسطى وتركيا، الأمر الذي ينشئ علاقة ضرورية لهذه الاتفاقية بالمشروع الجيوبولتيكي الصيني الكبير المسمّى «طريق الحرير»، ما يمنح هذه العلاقة عمقاً تحالفياً دائماً يرفض أي اعتداء على أي طرف من طرفيها.
سادساً: بما أن الصين هي التي تبني في الداخل الإيراني، فالواجب أن يكون الطرف الإيراني هو الذي يسدّد الأثمان بالعملات أو بنظام من التبادلات، وبما أن الاحتياطات النقدية الإيرانية غير متوفرة بسبب الحصارات الأميركية والغربية والخليجية، فإن التسديد الإيراني لن يكون إلا بما يريد الجيوبولتيك الصيني الاقتصادي وهو النفط ووريثه المرتقب من الغاز.
وهما سلعتان فائضتان في إيران، لكن الحظر الأميركي عليها منذ أربعين عاماً وازداد مؤخراً، فرض على الدول التي تستورد منها التوقف، ما جعلها لا تنتج إلا بقدر مواز لحاجاتها الداخلية.
إلا أن هذه الاتفاقية تعيد للمشتقات النفطية الإيرانية دورها المحوري في بناء الاقتصاد الإيراني وتجابه الحظر المفروض عليها من «قيصر» وتوابعه الأميركية – الخليجية.
سابعاً: تكشف هذه الوثيقة أن الصين اختارت مستويين جديدين من علاقاتها الاستراتيجية، وهما مجابهة الأميركيين إنما بغير طرق الصخب الإعلامي البكائي، بل بتبني خيار استراتيجي واعد يزيد من مكانتها في الاقتصاد العالمي وبالتالي في النظام القطبي الجديد قيد التبلور، أما الثاني فهو إلغاء ما تتسم به الصين من حيادية واختيارها إيران على حساب طموحها القديم باختراق الخليج.
ما هي تداعيات هذا الحلف العميق؟
يبدو وكأنه ذاهب إلى مجابهة محظورات «قيصر» باللغة الاقتصادية الصرفة، لكنها يستعد استراتيجياً لبناء محور صيني – إيراني قويّ جداً، يمتلك المقدرة السياسية على التمدد في بقاع استراتيجية كثيرة في الشرق الأوسط، تحتاج إلى الاقتصاد وبحوزتها أهميات استراتيجية واقتصادية.
فإيران تنصب تحالفات مميزة مع سورية والعراق واليمن، وإذا كانت اتفاقيتها مع الصين أدركت مبلغ 600 مليار دولار، فإن تمدّد مفاعيل هذه الوثيقة نحو تحالفات إيرانية – شرق أوسطية قد يرفع المبلغ إلى تريليونات عدة من الدولارات إلى جانب علاقات سياسية واقتصادية دائمة، تصبّ في إطار التعددية القطبية.
هناك ملاحظات معروفة يجب التركيز عليها لأهميتها للسلم العالم الذي يقدم عادةً على استقرار في التوازنات العسكرية وعلاقات اقتصادية شديدة التأثير.
لذلك فإن الاتفاق الإيراني – الصيني على أهميته الثنائية، إلا أنه جزء بنيوي من اتفاق طرفيه مع سورية، وخصوصاً الجانب الإيراني الذي التزم منذ أسبوع فقط بتحالف عسكري – اقتصادي مع دمشق.
أي أن لإيران دوراً في عملية إعادة إعمار سورية إلى جانب حلف يبني قوة عسكرية على الساحل الشرقي لأهم بحر تتصارع على مياهه بلدان القوى العالمية الكبرى.
وهذا يعني إيران على مستويات عدة، أولها حلفها العميق مع سورية وموضوع ثروات المتوسط التي تعنيها لأن إيران هي الدولة الثانية في العالم بإنتاج الغاز والثالثة بالنفط، هذا بالإضافة إلى ارتباط إيران بالقضية الفلسطينية وبالشرق الأوسط.
لذلك تتمدّد الوثيقة الصينية – الإيرانية لتجد لها سنداً قوياً لها في الشام حيث للروس بدورهم بناءات شديدة الاستراتيجية، وتلتقي مع الصين في إطار الصراع العالمي مع الأميركيين، ومع الإيرانيين لتسهيل الاختراقات في الشرق الأوسط، ومنع التسلط الأميركي على عصر الغاز عبر قطر ومياه المتوسط.
بذلك تتحوّل الوثيقة الصينية – الإيرانية إلى حلف استراتيجي رباعي له إمكانيّة التجول في معظم أنحاء الإقليم بحريات واسعة.
فهل يسقط «قيصر»؟
يكفي أن التعامل الصيني مع إيران بالوثيقة المشتركة للتبادل بين سلع ووسائل وتدريب وأسلحة من الصين مقابل النفط والغاز. وهذا تحطيم لمحورية «قيصر» ومفاعيله، لأن المدى لن يكون صينياً – إيرانياً فقط بل يشمل سورية وروسيا، وهذا يشجع دولاً أخرى على تهشيم «قيصر» والعبث به.
بذلك تتضح أبعاد الاتفاق الصيني – الإيراني – الروسي – السوري، ودفعه نحو عالم قطبي جديد يمنع هذه الوحشية الأميركية القاتلة للشعوب والتي تزعم أنها تعمل من أجل حقوق الإنسان.
اسألوا المحققة كالامارد وهي المنتمية إلى النفوذ الغربي في الأمم المتحدة، التي اتهمت في تقريرها الأخير الأميركيين بالإرهاب لأنهم اغتالوا قاسم سليماني من دون وجود دلائل على اقترافه أية أعمال إرهابية، وهذه واحدة من عشرات ملايين الجرائم التي ارتكبها الأميركيون في الخمسين سنة الماضية.
(البناء)