حكومة دياب… بين الحلول الآنية والاستراتيجية للأزمة: حسن حردان
تقف حكومة الرئيس حسان دياب هذه الأيام بين حدي الحلول الآنية والاستراتيجية للازمة التي تعصف بالاقتصاد وقيمة العملة الوطنية، والوضع المعيشي للمواطنين الذين يزدادون فقراً بسبب الانهيار المستمر في قدرتهم الشرائية.. على الحكومة المطالبة بمثل هذه الحلول تواجه في الوقت نفسه حرباً شرسة لعرقلة مهمتها…
أولاً، حرب داخلية تنفذها القوى المتضررة من اي نجاح للحكومة في مساعيها لتحديد الخسائر المالية ومنع أيّ إصلاح ومحاربة للفساد من جهة، والعمل على تنويع الخيارات الاقتصادية بالتوجه شرقا بما يحقق مصلحة لبنان من جهة ثانية.
وثانياً، حرب خارجية تقودها واشنطن علناً لسدّ كلّ منفذ للمساعدة من الخارج وربط هذه المساعدة بالرضوخ لشروطها القاضية بتخلي لبنان عن سيادته ومقاومته وجزء هامّ من ثرواته في البحر والبر…
وإذا كانت مهمة الإنقاذ صعبة بسبب التركة الكبيرة الموروثة من السياسات الريعية للحكومات السابقة، والحرب الاقتصادية التي يتعرّض لها لبنان من قبل الولايات المتحدة. الا انّ النجاح في هذه المهمة ليس مستحيلا اذا ما توافرت الإرادة لدى الحكومة والقوى المكونة لها وهي جميعها لها مصلحة في النجاح لأنها مستهدفة من الحصار الأميركي وقوى المعارضة الداخلية التي أقصيت عن جنة السلطة لكن لا تزال تملك مواقع التأثير والنفوذ داخلها…
فالحكومة تستطيع النجاح اذا ما وضعت خطة أولويات عملية راهنة وقابلة للتنفيذ ولها نتائج سريعة.. وفي نفس الوقت تعمل على الأولويات ذات المديات المتوسطة والطويلة لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية…
أولاً، على المستوى الراهن بإمكان الحكومة اللجوء إلى الخطوات العملية التالية:
الخطوة الأولى، وهي الإسراع في إنجاز ما قررته من دعم لسلة المواد والسلع الأساسية.. لأن تحقيق ذلك ستكون له نتائج سريعة وملموسة بالنسبة للوضع المعيشي للمواطنين عندما تخفض الأسعار بنسبة كبيرة.. وهذا سيؤدي إلى إضعاف الهجوم الذي تتعرّض له الحكومة، ويعزز من شعبيتها.
الخطوة الثانية، العمل على اتخاذ القرار الذي يحجب اي دعم لشراء سلع ومواد تنتج في لبنان او تعتبر من الكماليات، وذلك للحدّ من نزيف العملة الصعبة من ناحية، ودعم وتنشيط الإنتاج الوطني بتشجيع الإقبال عليه من قبل المواطنين من ناحية ثانية… لكن شرط أن تكون الأسعار خاضعة للرقابة المشدّدة والمرتبطة بعقوبات قاسية تجاه اي شركة مستوردة أو مؤسسة استهلاكية.
الخطوة الثالثة، وضع حدّ نهائي للاحتكار في عملية استيراد السلع الاساسية المدعومة.. وإطلاق التنافس على أوسع نطاق لأنّ من شأن ذلك أن ينعكس بخفض الأسعار والحدّ من الربح الفاحش للشركات الاحتكارية.
الخطوة الرابعة، الإسراع في إنجاز اتفاقات مباشرة مع دول لشراء النفط ومشتقاته والفيول والغاز من العراق او إيران او الجزائر او اي دولة أخرى مستعدة لقبول العملة اللبنانية او مقايضة هذه المواد الحيوية بالمنتجات اللبنانية الزراعية والصناعية، لأنّ من شأن ذلك أن يؤدي عملياً إلى الحدّ من الحاجة للدولار في السوق المحلي للاستيراد، وتنشيط القطاعات الإنتاجية، وتحقيق عائدات هامة تعزز موارد الخزينة كانت تذهب لجيوب الشركات الخاصة.
انّ هذه الخطوات من شأنها ان تحدّ من الخلل الكبير في الميزان التجاري وتقلص من الفجوة الحاصلة بين الاستيراد والتصدير.. وان تحدّ من العجز في ميزانية الدولة…
ثانياً، على المستوى المتوسط والأبعد.. فإنّ الحكومة مدعوّة إلى جانب مواصلة خطتها المالية، لمعالجة أزمة الدين وإعادة هيكلته بعد تحديد الخسائر.. مدعوة إلى وضع آلية عملية للتواصل مع الحكومة الصينية والشركات الصينية المستعدة لتنفيذ مشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية وبناء معامل إنتاج الكهرباء ومعالجة النفايات.. فهذه المشاريع الهامة بالنسبة للاقتصاد يحتاج تنفيذها إلى وقت، لكن البدء بها في وقت قريب سيكون له انعكاسات إيجابية مباشرة لناحيتين:
الأولى، تنشيط الحركة الاقتصادية، وادخال أموال صعبة تحتاج إليها الشركات الصينية المنفذة والعاملين فيها، والتي ستعمل على افتتاج بنك في بيروت لتأمين انتقال وتدفق هذه الأموال…
الثانية، توفير فرص عمل مهمة للبنانيين، ستحتاح إليها الشركات الصينية، وإنْ كانت اليد العاملة الصينية الماهرة هي الأساس بالنسبة لهذه الشركات…
انّ المباشرة في مثل هذه الخطوات الراهنة والمتوسطة او البعيدة المدى سيكون لها آثار إيجابية سريعة، تسهم في تقوية موقف الحكومة داخلياً، وتعزيز موقفها التفاوضي مع صندوق النقد الدولي، والحدّ من استغلال الأزمة المعيشية من قبل واشنطن والقوى الموالية في الداخل لمحاولة إخضاع لبنان للشروط الأميركية الصهيونية…
(البناء)