بري وسورية أصالة الموقف والخيار
غالب قنديل
أعمق من التشبيه الذي أجراه الرئيس نبيه بري بين مرحلة الاجتياح وهذه المرحلة يذهب العارفون في استخراج تشخيص مبدئي لخطط خطيرة تستهدف لبنان ليست الضغوط الاقتصادية والمالية الأميركية سوى احد مظاهرها وادواتها فالخطر المحدق بالمنطقة مصيري ووجودي في نظر رئيس المجلس يشبه تلك المرحلة في خطورته وقدر لبنان ومصلحته كما في السابق ان يكون إلى جانب سورية في هذا الاستقطاب الذي لا مجال فيه للمناورات.
أولا العبارات التي استخدمها الرئيس نبيه بري في كلامه عن سورية خلال كلمته الافتتاحية في اجتماع قيادات وكوادر حركة امل ذكرت العديد منهم بلغة ألفوها في خطبه عن سورية بعد الاجتياح الصهيوني عام 1982 وخلال مرحلة انطلاق المقاومة ضد الاحتلال بجهد مباشر من بري ورفاقه في حركة امل مع بعض الحلفاء الأقربين من القوى الوطنية وبدعم سوري مباشر بل إن هؤلاء الحلفاء يعرفون ويذكرون كم اجتماعا عقد برئاسة بري في مكتبه او منزله بحثت فيها عمليات المقاومة الشعبية والعسكرية في الجنوب ويومها كانت عبارة “يوم عز النصير” تلتصق بذكر بري لوقفة سورية مع المقاومة وبدعمها للنضال الوطني والشعبي لإسقاط اتفاق السابع عشر من أيار وذلك الفصل الذي شهد انبثاق زعامة بري للعمل الوطني اللبناني توج بانتفاضة السادس من شباط 1984 التي قادها بنفسه وسطر يومياتها وصولا إلى إلغاء الاتفاق المشؤوم وفرض معادلة جديدة كان من اهم نتائجها نهوض العمل المقاوم وتثبيت المرجعية السورية في الملف اللبناني.
ثانيا نسج رهط من النمامين والطارئين والطامحين ظلالا من الشك في السنوات الماضية حول حرارة موقف الرئيس نبيه بري من المؤامرة على سورية ومنصاتها اللبنانية المعروفة وسعى بعضهم لزرع الشكوك ومن يعرفون رئيس حركة امل عن قرب يقولون إنه بالتأكيد كان قلقا على سورية ويخشى عليها لكنه كان محكوما بموقعه كرئيس للمجلس واعتبر منع تفجير لبنان بالفتنة احد خطوط الدفاع عن سورية وإحباط المخطط الذي يستهدفها وبالتالي فمن موقعه الدستوري والسياسي كان مضطرا لاعتماد خطاب ادنى من حقيقة موقفه المبدئي الذي لم يتغير يوما من قلعة العروبة والمقاومة ومن قائدها وجيشها وشعبها وهو كان متابعا للتفاصيل وحافظ على التواصل مع دمشق بقنوات متعددة سواء من خلال موفديه ومن خلال السفير علي عبدالكريم الذي يزوره دوريا كما ان بعض الحلفاء يقولون إن الخط الساخن بين الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله والتناغم والتنسيق بينهما كان يحظى دائما بثقة ومباركة الأشقاء السوريين والإيرانيين في كل ما يخص معارك الدفاع عن سورية ولبنان وفلسطين.
ثالثا في حساب الأدوار والمواقف والخيارات اتجاه المخطط الاستعماري الصهيوني الرجعي الذي استهدف سورية منذ العام 2011 كانت لي محطة خبرة شخصية في إدارة المعركة الإعلامية دفاعا عن سورية فقد كانت في البداية مواقف جريدة الأخبار مشوشة وملتبسة وفتحت صفحاتها لزمر ما سمي بالمعارضة في حين كانت قناة المنار محكومة بحذر سياسي ناتج عن اتصالات قيادة الحزب مع بعض المعارضين السوريين بتفويض من الرئيس بشار الأسد وهو ما كشفه قائد المقاومة في إحدى خطبه الشهيرة فبادرت للاتصال بالزميل الأستاذ قاسم سويد مديرعام قناة nbn وناقشت معه الوضع من الزاويتين الإعلامية والسياسية وتمنيت عليه نقل الموضوع لقيادة الحركة وللرئيس بري إن امكن وإبلاغي بالموقف ولم يفاجئني الصديق الأستاذ قاسم حين أبلغني في حينه ان المؤسسة غير محايدة وهي معنية بمعركة الدفاع عن سورية وستخوضها إلى النهاية وهذا الإلتزام جسدته نشرات الأخبار والبرامج السياسية والتقارير والبرامج الخاصة من دمشق وهو مستمر إلى اليوم و الأمر الذي يستحق كل الثناء والتقدير في ظروف الحصار الإعلامي على سورية ومن يوم كان طوق المؤامرة محبوكا بمنابر الإعلام اللبناني التي تورطت في معظمها بدعم داعش والقاعدة وتعميم كذبة الثورة ويومها كان التوجيه الأميركي والتمويل الخليجي السعودي والقطري خصوصا ولايزال مصدر انخراط بعض الإعلام اللبناني في الحملات المعادية لسورية وبعض تلك المنابر لم تقصر في استهداف الرئيس نبيه بري بالذات ومحاولة النيل من مصداقيته.
رابعا في التشبيه السياسي للظرف القائم مع الاجتياح الصهيوني عام 1982 أصاب الرئيس نبيه بري عندما اعتبر العقوبات الأميركية حربا على سورية ولبنان والعراق والأردن وفي سياق استكمال تصفية قضية فلسطين والعقوبات هي اداة خطيرة تبغي خنق البلاد والعباد في الشرق العربي ومنع التشابك القومي كما تستهدف المقاومة كخيار.
يدرك الرئيس نبيه بري أن الغاية من خنق لبنان هي اجباره على الخضوع للضغط الأميركي المباشر بالتنازل عن حقوقه لمصلحة إسرائيل وليس من المصادفة ان يربط ديفيد شينكر بين تحريك القروض المالية والاستسلام لخط فريدريك هوف الذي أسقطه بري خلال مباحثات الترسيم البحري وبالتالي التخلي عن قسم من حقوق لبنان السيادية لصالح العدو هذا إضافة إلى استشعار بري بحسه الفلسطيني والعروبي لمخاطر تصفية حق العودة وإحياء مشاريع التوطين بالتوازي مع خطط التهويد وتكريس الضم الصهيوني في الضفة الغربية المحتلة والجولان العربي السوري المحتل والخشية المنطقية من خطوات مشابهة تشمل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا لولا توازن الرعب الذي تفرضه صواريخ المقاومة الدقيقة.