حوار القصر بين فكي العجز والتدهور الأمني ! محمد شمس الدين
الدعوة الى الحوار التي وجهها القصر الجمهوري للأفرقاء اللبنانيين محدداً عناوينها بـ”تعزيز الإستقرار الأمني وتجنب التوترات”، لم تكن مغرية للكثيرين ممن أعلنوا مقاطعتهم للإجتماع المقرر يوم غد الخميس في 25 الجاري
.
الأسباب التي أعلنت للمقاطعة لم تكن مقنعة لأحد، رغم علم المقاطعين بخطورة الوضع الأمني الذي على ما يبدو أنهم يشعلون له “الضوء الأخضر” إنسجاماً مع مشروع إسقاط البلد في الهاوية على أمل انبعاث “طائر الفينيق” مجدداً، إضافة إلى أن اتخاذ هذا الموقف إنما يندرج في إطار الإنقسام السياسي العامودي “المزمن” الذي يشهده لبنان لا سيما في السنوات الأخيرة، هذا الإنقسام الذي لم يستطع اتفاق الطائف أن “يلحمه” بما صدر عنه من وثيقة سياسية اعتبرت دستوراً وعقداً جديداً أنهى الحرب الأهلية التي استمرت نحو خمسة عشر عاماً.
وإن تكن الأسباب المعلنة للإجتماع الحواري ذاك مبررة بشكل كبير بعد الحوادث الأمنية المتفرقة التي شهدها البلد منذ نحو أسبوعين في أكثر من منطقة لبنانية، وظهرت جلية في العاصمة بيروت من خلال أعمال التخريب التي جرت في الوسط التجاري واتخذت شكلاً “مسلحاً” في عاصمة الشمال طرابلس، فإن الإجتماع ليس سوى ذهاباً باتجاه معالجة النتائج من دون النظر إلى الأسباب التي تستغل لإحداث هذا النوع من التوترات الأمنية، التي بمعظمها تأخذ طابعاً عنفياً وشغباً على خلفيات اجتماعية واقتصادية لم تستطع الحكومة حتى اليوم معالجتها، أو حتى وضع الإصبع على الجرح الذي ينزف بشدة، ما يوحي بأن “السيف قد سبق العذل”، وأن البلاد قد دخلت فعلاً في طريق اللاعودة، وأن أية معالجات لم تعد تجدي نفعاً، وأن ما يحتاجه لبنان حالياً، هو تغيير النهج المتبع في الحكم والإدارة من أعلى الهرم إلى أسفله.
يبدو الجميع عاجزاً عن تقديم أية حلول للمشاكل الإقتصادية التي ظهرت واشتدت خلال الأشهر الثمانية الماضية وحتى المستقبل البعيد على الأرجح.. المشهد ينم عن أن كل الأطراف تنتظر حصول شيئ ما يُحدِث تغييراً في الحال الذي يتخبط فيه البلد، إلا أن هذا التغيير قد يكون مزيداً من الإنحدار باتجاه الأسوأ والمجهول والذي يوحي بمزيد من المخاطر الأمنية التي لن تكون محصورة بمثل تلك التي يحاول حوار القصر الجمهوري أن يطوقها، ذلك أن ما فرضه “قانون قيصر” الأميركي للعقوبات على سورية ولبنان، يشي بأن “حرباً” تلوح في الأفق لا يستطيع أحد تقدير حجمها حالياً إلا أن المواجهة العسكرية باتت مؤكدة وتظهر ملامحها جلية من خلال أمرين:
الأول: العربدة الإسرائيلية المتواصلة والتي تكثفت مع دخول القانون المذكور حيز التنفيذ في 17 الجاري إن على الجبهة اللبنانية من خلال خروقات “مؤذية” على الحدود الجنوبية، و التحليق المكثف على علو منخفض “استفزازي” للطيران الحربي الصهيوني في سماء لبنان، أو على الجبهة السورية وآخرها العدوان الأخير على ريف حماه ما أدى إلى استشهاد جنديين سوريين وجرح آخرين تقصدت القيادة السورية الإعلان عنهم هذه المرة في رسالة واضحة إلى الأذى المباشر الذي تسبب به العدوان ولم يقتصر على الماديات.
الثاني: رفع مستوى التحذير بالرد على العقوبات الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله إلى حدود اللجوء إلى “القتل الدفاعي” مع رسم خطوط واضحة لحتمية المواجهة والإستعداد الكامل لخوضها بالتضامن والتكافل مع سورية ودخول من يقتضيه الموقف من دول محور المقاومة على الخط في التوقيت المناسب.
انه الإنتظار القاتل الذي يعيشه اللبنانيون الذين باتوا عاجزين حتى عن “الثورة” بعد سرقة أموالهم وحجزها رهينة في حسابات خارجية لإخضاعهم ودفعهم إلى تحقيق أهداف حددتها الإدارة الأميركية لمصلحة الكيان الصهيوني وتنفذها مع جماعتها في لبنان على المستويين الإقتصادي والسياسي، وما مقاطعة حوار القصر الجمهوري إلا جزء من خطة “العقوبات” الأميركية التي تشتمل على “تحريك ثوري” على غرار قلقلات أمنية واضطرابات وشغب تملك الأجهزة الأمنية معلومات موثقة بشأنها سيتم عرضها في الإجتماع المذكور.