السيد.. و”القتل” في مواجهة “التجويع”! محمد شمس الدين
بدأ في 17 حزيران تطبيق ما يسمى بـ”قانون قيصر” أميركياً. هذا “الفرمان” الذي اعتمدته الولايات المتحدة لتطبيق عقوبات على الشعب السوري ودولته، “مروراً” أو “انطلاقاً” من لبنان الذي غرق بأزمة مالية – اقتصادية حادة جعلته على شفير الإنهيار بفعل فاعل أميركي أيضاً، خدمة لمشروع سياسي “سلطوي” لن ينتهي في وقت قريب على ما يبدو.
ما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالته المتلفزة عشية بدء التنفيذ الأميركي لـ”قيصر”، كان واضحاً “جدا” وحازماً في التصدي للهجمة الأميركية الأخيرة وصولاً إلى حد التهديد بـ”القتل الدفاعي”، وهو ما فتح الباب على الكثير من التكهنات حول الشكل الذي من الممكن أن تتخذه المواجهة مع منفذي القانون المذكور، إلا أن “القتل” لا يحتاج إلى الكثير من الجهد لتفسيره وهو ما يرسم الصورة العنيفة المبنية على معطيات استراتيجية في الحرب المفتوحة مع الأميركيين والإسرائيليين ليس “الجوع” سوى أحد وجوهها أو محطة من محطاتها.
لقد استدل السيد على فشل الأميركيين وحلفائهم في الحرب “الكونية” التي شُنت على سورية على مدى عقد من الزمن بلجوئهم إلى “قانون قيصر” واعتباره آخر “معاركهم” في هذه الحرب، فيما تشير الوقائع إلى أن الحرب ربما ستتجدد على امتداد المنطقة، لكن هذه المرة ستكون بشكل مباشر مع الوجود العسكري الأميركي على امتداد جغرافيا بلاد الشام، وربما أبعد بحسب ما تقتضيه الضرورة وما يفرضه سير المواجهة. وإذا كانت الوقائع السياسية والأمنية تفسح بالمجال أمام ممارسة أنواع “الصبر” الممكنة “استراتيجية” كانت أو “تكتيكية”، الذي اعتاد السيد الحديث عنه، فإن “الجوع” سيدفع باتجاه تنفيذ ما كان مؤجلاً تنفيذه لناحية القضاء على الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وهذه المرة ابتداءً من سورية التي جاء “الفرمان” الأميركي ليفرغ حقده فيها بعد سلسلة الهزائم التي مُني بها مشروعه على يد الدولة السورية التي يقودها الرئيس بشار الأسد وحلفاؤه الأقربون والأبعدون.
إعلان السيد نصرالله عن المواجهة بـ”القتل” يرتبط أولاً بالمهمة الجهادية الكبرى التي فرضها استشهاد قائد “قوة القدس” في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، في كانون الثاني الماضي في عملية استخباراتية نفذتها القوات الأميركية في العراق، فيما لم تخف ذلك إذ جاء الإعلان على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فالخطاب الذي أعلن فيه السيد أن اغتيال سليماني سيكون ثمنه إخراج الوجود العسكري الأميركي من المنطقة، وكان جاء متطابقاً مع إعلان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي الخامنئي في إيران في المناسبة عينها، قد فرض تسريعاً في صدور “أمر العمليات” لمواجهة تلك الهجمة الشرسة التي أصر الأميركيون على استكمالها لتنفيذ برنامجهم الإستعماري للمنطقة، من دون النظر إلى الأزمات التي تعصف بها وفي العالم على الصعد كافة بيئية وصحية واقتصادية، ناهيك عن الخطوات الإستيطانية الصهيونية في فلسطين المحتلة عبر ما يسمى مشروع ضم الضفة الغربية.
إذاً فإن قرار “التجويع القيصري والقسري”، هو الشعرة التي ستقسم ظهر البعير الأميركي في معاركه المتنقلة في بلادنا، وبات عليه أن يتوقع بشدة استهداف قواته “الفتنوية” المنتشرة وكل “أحزمتها” بعمليات أمنية كتلك التي ذاقها الإحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان على مدى عشرين عاماً وما زالت مشروعة، والتي سقطت معها كل وسائل التحصين والتدريع والإختباء.
لا شك بأن السيد نصرالله قد وضع النقاط على الحروف حول سبل المواجهة، كما رسم إطاراً عاماً للسياسة التي يجب أن تتبعها على الأقل الدولة اللبنانية وحكومتها العتيدة على اعتبار أننا بدأنا معركتنا من لبنان، إن لجهة التعامل مع “قانون قيصر” وما يقتضيه من قرارات سياسية حكومية، أو لجهة الإجراءات التي ستتخذها وتكون لها مفاعيلها على الأرض في وقت تطرح فيه مسألة الحدود بين لبنان وسورية على بساط البحث الجدي ويربطها الأميركيون بما سيتخذه صندوق النقد الدولي من قرارات تتعلق بمساعدة لبنان مالياً لتخطي أزمته النقدية الراهنة.
الحكومة سارعت إلى الإعلان عن أنها تقدمت بطلب إلى الأميركيين لاستثناء بعض السلع والمواد الضرورية التي يحتاجها لبنان عن طريق سورية ومنها الكهرباء مثلاً، وذلك على غرار الإعفاءات التي يحصل عليها العراق في تعاملاته وتأمين بعض احتياجاته الطاقوية من إيران، إلا أن ذلك يقر بنظام الوصاية الأميركية على البلد ومؤسساته الدستورية، كما يبتعد هذا الأداء عن كل التوجهات الرامية إلى توسيع رقعة التعاملات مع دول أخرى بما ينسجم مع أطروحة التوجه شرقاً من دون التخلي عن الإرتباط المصلحي بالغرب بما يضمن المصلحة العليا للبنان خارج أي تأثير سياسي وهو ما توفره “الدول الشرقية“.
الأداء الحكومي في هذا السياق سيخلق لها مشكلة في تحديد موقفها من الصراع الذي بدأ ولم ينته، وهو لن يكون كذلك في المدى المنظور، وهو ما سيحرجها اكثر ربما إلى حدود إخراجها إذا لم تبدأ بخطوات جدية لتأمين كل احتياجات لبنان من دون الإرتهان الذي بدأ فعلاً من خلال الطلب الذي تحدثنا عنه آنفاً، وأن تبادر إلى إعادة الوصل مع سورية التي يعترف الجميع بأنها الرئة الوحيدة للبنان لضخ الحياة في شريانه الإقتصادي.
إن الرد على التجويع في لبنان وسورية سيكون بالقتل، أولاً وثانياً وثالثاً، بسلاح طالما حلمت إسرائيل بتدميره تسهيلاً لمهمتها في السيطرة على المنطقة.