خطاب السيد ولغز الانعطافة الكبرى
غالب قنديل
أربك سماحة السيد حسن نصرالله الدوائر الأميركية والغربية بعد خطابه الأخير وادخلها في حيرة التكهن والتأويل عن معادلته المكتومة في الرد على مخطط التجويع والحصار الذي تقوده الولايات المتحدة بعقوباتها الضارية التي تضيق الخناق على إيران وسورية ولبنان وخلافا لمعادلاته السابقة التي كانت تضع اهدافا معادية بمتناول المقاومة مقابل الاستهداف العسكري لمواقع اقتصادية او سكنية او عسكرية في لبنان لم يفصح هذه المرة عن تفاصيل الأهداف او المصالح الأميركية والصهيونية التي سوف تتلقى الرد على الحصار والعقوبات.
اولا لم تجد واشنطن بدا من دفع سفيرتها إلى الرد على خطاب الأمين العام القوي الذي تضمن إنذارا قاطعا في وجه العقوبات الأميركية والحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة على سورية ولبنان وبقدر ما جاء الإنذار برد قاتل مدويا زاد من سطوته ووقعه الغموض كان الرد الأميركي ركيكا بلا حجة مقنعة فليست العبرة في قول السيدة دوروثي ان حكومة دونالد ترامب ليست هي من يمنع الدولارات من التدفق إلى لبنان بل في ان تقدم دليلا واحدا على ذلك والقاصي والداني يعلم ان العقوبات الأميركية هي التي جففت السوق المالية والقطاع المصرفي من الدولارات واعترضت تحويلات اللبنانيين والاعتمادات اللبنانية وجمدت كمية ضخمة من الودائع وامرت بتصفية اثنين من المصارف اللبنانية ظلما وعدوانا وهي تجاهر بأن عقوباتها الضارية التي تؤذي سائر اللبنانيين وضعت لتطالبهم بالتخلي عن المقاومة مقابل رفع العقوبات بينما عملاؤها هم المتورطون في العديد من انشطة التخريب الاقتصادي لسنوات طويلة.
ثانيا لم تجد سفيرة واشنطن حجة سوى الكشف عن هوية خطاب الفساد باجترارها له في تأكيد واضح لهوية الأطروحة المنقولة عن مراكز التخطيط للتدخلات الأميركية في لبنان والتي تدير شبكات واسعة من المنصات والمنظمات والجمعيات التي تحركت لإشعال ثورة ملونة سقط قناعها في دعوات التظاهر يوم السادس من حزيران عندما أقرنت المطالب المعيشية بشعار نزع السلاح وكان ذلك سقوطا أخلاقيا ووطنيا لمن روجوا له وفشلا سياسيا ذريعا للعبة التخفي خلف صرخات المطالبة بحلول للضائقة المعيشية الخانقة بينما الغاية الفعلية هي تجيير الضغوط ضد المقاومة ودورها وهو الهدف المركزي الأميركي والصهيوني في لبنان ولا تأبه واشنطن لشرشحة عملائها والمرتبطين بها الذين تطالهم الشبهات في سائر الصفقات التي أبرمها النموذج الاقتصادي المتهتك بولائه الاميركي والغربي الفاضح منذ اتفاق الطائف وهم أنفسهم كانوا شركاء واشنطن في حرب تموز وغيرها من خطط التدخل الأميركية بما فيها غزوة داعش والقاعدة والحرب على سورية.
ثالثا بإمكان المخططين الأميركيين ان يطرحوا ويتداولوا شتى الاحتمالات التي يمكن ان تسلكها المقاومة وان تجتاح بها سائر الخطوط الحمراء والضوابط التي راعتها خلال السنوات الماضية وبإمكانهم استعراض مئات الاحتمالات في تفسير عبارة السيد نصرالله التي تعني “لن نتفرج عليكم بينما تجوعون شعبنا ولدينا القوة والقدرة الكافية لإرغامكم على التراجع ” ومن الواضح ان وصفه للحصار بالحرب يهدف إلى التعامل مع ما يجري بوصفه نوعا من الحروب التي ستقبل المقاومة على خوضها بوسائلها دفاعا عن حق شعبها في الحياة بكرامة ومن اجل صون انتصارات محور المقاومة وإنجازاته في لبنان وفي سورية ضد الحروب الاستعمارية الصهيونية الرجعية مباشرة وبالوكالة.
رابعا يدرك اطراف المحور ان الإمبراطورية الأميركية المتصدعة من داخلها بعد جائحة كورونا ليست في احسن احوالها خصوصا بعد اندلاع ثورتها الملونة الخاصة التي فجرت إعصارا داخليا متواصلا ضد العنصرية الملازمة للنظام الأميركي الذي قام على المذابح ضد السكان الأصليين وفرض التمييز ضد ذوي الأصول الإفريقية واللاتينية وهي فضيحة مدوية مرغت خرافة “الحلم الأميركي ” في وحول ودماء يصعب محوها من ذاكرة العالم المعاصر وفي حين تشتغل المطابع الاتحادية لتضخ تريليونات الدولارات الورقية وسط شلل اقتصادي وبطالة شملت حتى الآن حسب الأرقام الرسمية خمسين مليونا من الأميركيين وتنشغل الإمبراطورية بنفسها كما يقول رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس لكنها مصممة على الاهتمام بالكيان الصهيوني قاعدتها العدوانية المتقدمة في الشرق العربي وتسعى بالعقوبات إلى تعطيل أي رد موجع وتسعى عبر العقوبات إلى تكبيل جميع مقاومي الهيمنة من سورية وإيران ولبنان وفلسطين عشية الفصل الاخطر من خطة تهويد فلسطين وتكريس اغتصابها.
خامسا كل الاحتمالات مفتوحة وكل الخيارات واردة ودعوا خبراء المحاكاة لديكم يقترحون أبشع السيناريوهات المتخيلة فالمقاومة مصممة على كسر الجبروت والطغيان الأميركي وهي لم تخضع يوما للغطرسة الاستعمارية منذ انطلاقها فهي قوة تحرر تواصل نضالها من اجل حياة كريمة لشعبها وامتها وسائر شركائها وحلفائها يلاقونها على هذا الميثاق التحرري وليس من اختصاص أي من أنصار المقاومة ان يشرح تفاصيل لغز السيد المتروك لحكمة أكيدة على غموضه القاطع وخير تفسير ان جميع الخيارات على الطاولة ضد الحصار والتجويع وضد مؤامرة التهويد التي تسمونها ضم الأراضي لترسيم خرائط صهيون.
جوقة ازلام السفارة ومرتزقة الموائد العوكرية تم تحريكها بعد الخطاب لتسفيه خيار التوجه شرقا الذي طرحه سيد المقاومة مجددا وزادت حدة الهجمة الإعلامية عندما تبدت ملامح تجاوب حكومية مع هذه الرؤية وطرح الأمر للنقاش العملي ولجمع المعلومات والعروض والاقتراحات وانطلقت الولولة وحملات التهويل والتزوير فالمطروح ليس أبدا قطع العلاقة بالغرب والخليج بل تحقيق توازن في الخيارات واختيار الأفضل منها بمعيار المصالح الوطنية لإخراج لبنان من حالة الاختناق والتوجه شرقا يعني ذلك بالتحديد كما قدمه السيد منذ أشهر ودعا إليه وهو قال مئات المرات فليقدم وكلاء الغرب عروضا أفضل مما تقدمه الصين اوسواها من شركاء الشرق الأقربين والأبعدين.