صراع المعادلتين: “ارحلوا عنا أو تُقتَلُون»في مقابل «استسلموا أو تُقتَلُون»!؟: العميد د. أمين محمد حطيط
في أعلى درجات الوقاحة والفجور سنّت أميركا قانون قيصر لخنق سورية وفرضت تطبيقه على كلّ من يتعامل معها وبرّرت سلوكها بالقول إنه من أجل حماية المدنيّين، وهو ادّعاء كاذب طبعاً، حيث لا يخنق المرء حتى الموت مع الادّعاء بأنّ الفعل من أجل إحيائه.
لقد شنّت أميركا على سورية أبشع حرب اقتصادية تطالها منذ عقود بقصد أن تحرمها من انتصاراتها وتسلبها أو تمنع عليها استثمار تلك الانتصارات التي دفعت ثمنها دماء زكية وجهوداً مضنية ومعاناة قاسية خلال عشر سنوات خلت، وتريد أميركا أن تمنع إعادة إعمار سورية لتمنع عودتها إلى حياتها الطبيعية والانطلاق مجدّداً في مسار الدول الحديثة التي تؤمّن الرفاه لشعبها وتحقق الندّية في التعامل مع الآخرين دون استتباع أو تبعية أو هيمنة إلخ…
قانون قيصر عدوان اقتصاديّ أميركيّ يروّج له بأنه ضدّ سورية فحسب، لكنه في الحقيقة يطال سورية وكلّ العالم المتعامل مع سورية اقتصادياً، إنه قانون أميركي يُراد منه عزل سورية كلياً عن دورة الاقتصاد العالميّ ومنعها من التعامل مع الخارج في أيّ سبيل أو طريق، وهو يطال لبنان كأول متضرّر منه لأنّ التزام لبنان به يؤدّي كما تريد أميركا إلى إقفال الحدود البرية مع سورية ليس في المعابر غير الشرعية التي كثر الحديث عنها وإيلائها أهمية لا تستحقها، بل وإقفال عملي للمعابر الشرعية عبر التهديد بالعقوبات لكلّ اقتصادي أو متموّل أو رجل أعمال يجتاز تلك الحدود ببضاعة أو بمال أو بخدمة أو بقصد استثمار في سورية.
ولا تكتفي أميركا في ارتكاب هذه الجريمة فحسب بل إنها تضيّق الخناق على لبنان في مسألة عملته الوطنية من أجل الإضرار به أولاً ثم التضييق على سورية ثانياً وهي تدير عبر منظومة «جبهة أميركا في لبنان» حرباً نقدية تشكل فرعاً من فروع الحرب الاقتصادية التي يتعرّض لها لبنان بحجة محاصرة المقاومة، تنفذ هذه الحرب مع معرفة أميركا بتأثيرها على المواطن اللبناني – كلّ مواطن – ثم تصرّ عليها راسمة معادلة أولية: «التجويع للتركيع»، أما المعادلة الأساسية التي تريدها أميركا من حربها التي تستعمل خدمة للمشروع الصهيوأميركي العام فهي «التجويع للاستسلام» التي تقود إلى نزع سلاح المقاومة وتفكيكها، ما يمكن من دفع لبنان إلى التنازل لـ «إسرائيل» في البر والبحر في الأرض والماء والنفط، فتكون أميركا بذلك عاقبت مكوّنين من محور المقاومة بضربة واحدة مؤمّلة النفس بأن تحقق لها تدابيرها الاقتصادية الكيدية ما عجرت عصابتها الإرهابية في سورية وقبلها الحرب الصهيونية على لبنان عن تحقيقه.
فأميركا بكلّ بساطة تقول للبنان وسورية “تستسلمون أو تموتون جوعاً“. وهي معادلة تنطوي بشكل واضح على التخيير بين الموت على درجة واحدة تكون عبر الموت جوعاً أو الموت على درجتين تكون الأولى منهما بنزع السلاح ومصادر القوة تليها الثانية بالقتل والاعتقال والتصفية. أميركا تخيّر المقاومة وبيئتها بين الموت أو القتل. هذه هي بكلّ بساطة ووضوح معادلة أميركا بعد هزيمتها في سورية وعجزها عن تحقيق أهدافها في وجه محور المقاومة.
وتعتقد أميركا بأنها بهذه المعادلة الإجراميّة التي تنتهك حقوق الإنسان وتنتهك قواعد وأحكام القانون الدولي، والتي تعتبر ضرباً من ضروب الجرائم ضدّ الإنسانية، ويمكن تصنيفها بأنها جريمة إبادة جماعية، المعادلة التي تخيّر المقاومة بالتخلي عن سلاحها وإنجازاتها تمهيداً لاجتثاثها بشرياً، وتتصوّر أميركا أنها ستنجح في معادلتها، خاصة أنها مطمئنة إلى وجود من سيتطوّع لخدمتها في الداخل اللبناني أو في الإقليم ويكون معها في حربها ضدّ المقاومة، ويصدّق مقولتها بأنّ سلاح المقاومة هو سبب المشكلة الاقتصادية وانّ الحلّ يبدأ بنزعه.
بيد أنّ ردّ المقاومة لم يتأخر وعشية البدء بتطبيق قانون قيصر جاء الردً حاسماً وصاعقاً على لسان الأمين العام لحزب الله في لبنان، ردّ فهم المدققون فيه والخبراء الاستراتيجيون الذي يغوصون في كلام السيد فهموا فحواه وما رمى إليه ورأوا بأنه ردّ باسم محور المقاومة كله يرمي إلى تزخيم المواجهة وعدم التراجع بأيّ قدر، فهو ردّ يقول لأميركا بأنّ معادلتها مرفوضة، وبأنّ تجويع جمهور المقاومة وشعوب دولها مرفوض، وبأنّ نزع سلاح المقاومة مستحيل وبأنّ مَن يحلم بذلك فهو واهم أو مشتبه وأنه يبني على الظنّ العقيم.
وصحيح أنّ السيد نصرالله احتفظ لنفسه بنص المعادلة التي تطلقها المقاومة في مواجهة معادلة العدوان الآنفة الذكر أيّ معادلة «استسلموا أو تموتون جوعاً» أو بصيغة أخرى «استسلموا او تقتلوا»، فإنّ رفضه للاستسلام والتسليم لأميركا ورفضه لصيغة أخرى من جدار المكر الإسرائيلي المسمّى «الجدار الطيب» في جنوب لبنان، وتمسكه بسلاح المقاومة لأنه مسألة وجود ومسألة حياة أو موت وتهديده للعدو الذي يستعدّ لقتل المقاومة وجمهورها وشعوب دولها، تهديده له بالقتل متوعّداً له ثلاث مرات بالقول «سأقتلك»، يعني بكلّ بساطة انّ المقاومة صاغت معادلتها في وجه معادلة العدوان، وبات المسرح اليوم محلّ صراع بين معادلتين… معادلة العدوان الأميركيّ التي تقول للمقاومة وشعوبها «استسلموا أو تقتلون» ومعادلة المقاومة الدفاعية التي تتضمّن «دعونا وشأننا وارحلوا أو تقتلون».
وكما انّ تطبيق معادلة العدوان يشمل كلّ يد تمتد للعمل مع المقاومة ودولها وشعوبها مهما كان العمل أو التعامل، فإنّ معادلة المقاومة الدفاعية ستكون موجهة في تطبيقها أيضاً لكلّ مَن يخدم العدوان في فعل أو سلوك، لأنّ العمل بالمعادلة الدفاعية الجديدة لن يكون محصوراً في جهة أو طرف بل سيكون مفتوحاً على كلّ الاتجاهات والمستويات والأهداف في ما تصحّ تسميته بكلّ ثقة بأنه «حرب شاملة» لا يستبعد منها طرف او موضوع او مكان.
وعليه نرى انّ المنطقة باتت بين احتمالين لا ثالث لهما… الأول أن تفهم أميركا جدية معادلة المقاومة الدفاعية وتتجنّب المواجهة وتتراجع عن عدوانها وتحفظ نفسها ومصالحها وحلفاءها وعملاءها في المنطقة بدءاً من الأفراد صعوداً إلى الكيانات، أو تصرّ على غيّها وتجازف بالدخول في حرب مفتوحة شاملة مع المقاومة، حرب لا تستثني عدواً او حليفاً او عميلاً لأميركا او مصلحة لهم في المنطقة، أما حلم أميركا بالتركيع عبر التجويع فهو حلم لن يتحقق والأشهر الخمسة المقبلة ستحمل الجواب حول أيّ احتمال ستكون عليه الأمور.
(البناء)