المشروع الوطني الفلسطيني المقاوم .. تعقيب على ردود- معين الطاهر
حظيت مقالة “نحو مشروع وطني فلسطيني مقاوم” لكاتب هذه السطور، ونُشرت في “العربي الجديد” (1/4/2020)، بكمٍّ وافرٍ من التعليقات والنقاشات، شاركت فيها نخبة من الكتّاب والمهتمين بالبحث عن مشروع وطني فلسطيني مقاوم، يضيء فسحةً من أمل بتغيير الواقع القائم في فلسطين، ويساهم في وقف الموجة التطبيعية في بعض البلاد العربية. ولعل هذا النقاش والنقد، وتلك الملاحظات والردود التي وافقت أو أضافت أو عارضت، هي تحديداً ما سعت إليه المقالة لتكون موضوعاً للنقاش والبحث والتمحيص، باعتبار أنّ الوقت قد حان، والظروف قد نضجت
.
في هذا السياق، نشرت صحيفة العربي الجديد ثلاثة تعقيبات طويلة، أولها للكاتب سمير الزبن، “حوار مع معين الطاهر.. بين المشاريع السياسية والأوهام الفلسطينية“، (10/4/2020). وتلاها إبراهيم فريحات بمقالته “نحو آليات مشروع وطني فلسطيني مقاوم.. تعقيباً على معين الطاهر”، (17/4/2020)، ليتبعها عيسى الشعيبي، في العشرين من الشهر ذاته، بمقالة “المتغيّرات العربية وانعكاسها على القضية الفلسطينية.. ليس رداً على معين الطاهر”. وسأحاول في هذا المقالة التعقيب بإيجاز على ما كتبه الزملاء الثلاثة الذين تناول كل منهم زاوية مختلفة من المسألة.
حاولت المقالة السابقة، بإيجاز، تتبع مسار المشاريع التي تناولت القضية الفلسطينية، فلسطينية وعربية، وصولاً إلى المشروع الوطني الفلسطيني الحالي، في محاولة للإجابة عن السؤال بشأن مدى صلاحيته وقدرته على الاستمرار، وكيف تنتهي مرحلة وتبدأ أخرى، ومدى تأثير موازين القوى والوضع الدولي والإقليمي، وصولاً إلى تحديد سمات المشروع الوطني الفلسطيني، وحلقته المركزية.
اعتبر إبراهيم فريحات مقالته ليست “للرد على معين الطاهر”، بل للبناء على ما قدّمته، والانتقال منها إلى الآليات التي يحتاجها المشروع الوطني، حيث الصعوبة في الإجابة عن السؤال المتعلّق بكيفية تنفيذ المشروع، “من حيث تحديد الآليات والاستراتيجيات العامة للعمل الوطني”. وهو يرى أنّ “الآلية المناسبة لِلَمّ الشمل الفلسطيني تتمثّل بإعادة بناء منظمة التحرير، على أسس وطنية جديدة”. ويقدّم إضافة مهمة حين يعرض تجربتها، ويؤكّد ضرورة فصلها عن السلطة الفلسطينية، وأهمية دور الشخصيات الوطنية، والنقابات، ومنظمات المجتمع المدني، في الضغط من أجل إعادة بنائها.
أتفق مع فريحات في أنّ أي مشروع يحتاج إلى آليات تتناول أدق التفصيلات لضمان نجاحه،
“يتيح النضال ضد نظام الأبارتهايد الصهيوني، والذي هو في جوهره الرئيس نضال شعبي، أشكالاً نضالية متعدّدة، وشعارات مختلفة“ |
وأنّ هذه الآليات قابلة للتطور والتعديل والتغيير. نعم، لم تتطرّق مقالتي إلى جميع التفصيلات، إذ كان هاجسها الرئيس تحديد ماهية المشروع الوطني، أي أنها عنيت أساساً بالفكرة ذاتها، فاهتمت بتحديد الأهداف الاستراتيجية للمشروع، وأشارت إلى بعض الآليات العامة، علماً أنّ كثيراً من البرامج التفصيلية يجري تحديثها وتطويرها خلال المسيرة، وإعادة بناء منظمة التحرير هي إحدى الآليات الرئيسة في المشروع الوطني الفلسطيني، بل لعله عمودها الفقري. وحسبي الإشارة إلى نقطتين، لا أظن أنّ فريحات يختلف معي فيهما: أنه يجب التمييز بين منظمة التحرير باعتبارها إطاراً حاملاً للمشروع الوطني الفلسطيني، وليس المشروع نفسه. وضرورة تجاوز الدعوات المتكرّرة إلى إصلاح المنظمة، وتفعيل الإطار القيادي الموحد، عبر أُطر تمثيلية منتخبة، في أماكن وجود الشعب الفلسطيني كافة، بما في ذلك الجزء المحتل عام 1948، بهدف إحلال شرعية تمثيلية مستندة إلى مشروع وطني فلسطيني.
أما عيسى الشعيبي، فاعتبر أنّ مساهمته تأتي “لإثراء حوار أشمل حول المشروع الوطني، وتوسيع مدى النقاش الدائر حول ضفافه”. لكنّ الحقيقة التي لم تُخفها دماثة الزميل، أنّ ثمة تعارضاً كبيراً بين منطوق المقالتين. فالشعيبي لم يناقش المشروع المقترح رفضاً أو قبولاً، بل انطلق ليناقش الأوضاع العربية السائدة، ويربط الانقسام الفلسطيني بالانقسام العربي، ليصل إلى “أنّ علاج الانقسام الأصغر مرتبطٌ أشد الارتباط بمعالجة حالة الانقسام الأكبر“.
ويحلل الوضع العربي المزدحم بـ”الأولويات الوطنية الناجمة عن عمليات التغيير الجارية في زمن الربيع العربي… وهو الأمر الذي نال وسينال كثيراً من مركزية قضية فلسطين وأولويتها لدى العرب”. ولا شك في أننا “اليوم في عين العاصفة، ونحن كذلك على عتبة مرحلةٍ جديدةٍ من عمر نظام عربي شاخت هياكله القديمة… نترقب مآلات مخاضاتٍ إقليمية كبرى”، ليستخلص من ذلك أنّ “الرهانات المعلقة بعيداً عن متناول اليد قد نأت عن سواعدنا أكثر من أي وقتٍ مضى، فعلى أي جانب نميل، وكل الجوانب رماح مسنّنة ورؤوس حرابٍ مشرعة؟”. وهي خلاصة تتناقض مع ما لاحظه الشعيبي ذاته من شيخوخة النظام العربي، وترقّبه مآلات مخاضات إقليمية كبرى.
أختلف مع الشعيبي في تقييمه الوضع العربي، وتقسيمه دوله بين دول ممانعة وأخرى لم يطلق
“الحديث عن القوى الاجتماعية والاقتصادية التي ستأخذ على عاتقها القيام بمهمة مقاومة الأبارتهايد، غابر طواه زمن الأيديولوجيات“ |
عليها وصفاً، وتحميل العرب مسؤولية الانقسام الفلسطيني، من دون أن يتطرّق إلى خطورة اللهاث التطبيعي لبعض الأنظمة العربية، حيث أعتقد أنّ تبلور مشروع وطني فلسطيني مقاوم سيكبح جماح اندفاع بعض الأنظمة العربية باتجاه التطبيع مع العدو، وسيشكّل حافزاً إضافياً للقوى الوطنية العربية لإعادة القضية الفلسطينية إلى موقعها.
لكن ماذا عن المشروع الوطني الفلسطيني؟ يجيب الشعيبي بوضوح، ومن دون مواربة، بأنّ “مقاربة اللحظة السياسية الراهنة بموضوعية، بما تنطوي عليه من انكفاء، وما يسودها من خلل مروّع، ويكتنفها من مخاطر هائلة، تقودنا إلى استنتاجٍ مفاده بأنّ هذه ليست لحظة مواتية لطرح مشاريع كبيرة”، فما يحتاجه الحال الفلسطيني “ليس أكثر من الصمود والمقاومة المدنية، والتمسّك بالثوابت الوطنية… فضلاً عن التعايش مع الانقسام بدلاً من تأجيجه، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً”. إذاً، ليس بالإمكان أحسن مما هو واقع، ولا مكان لمشروع جديد، ولا إمكانية للتغيير، والمسؤولية كلها تقع على عاتق الوضع العربي والمتغيّرات الإقليمية. أما أداء الجانب الفلسطيني عقوداً، وكذلك ما يمكن أن يفعله لتغيير الواقع المؤلم، فهو خارج هذه المعادلة.
ثمّة حاجة ضرورية لرؤية المتغيّرات العربية والإقليمية والدولية، وإدراك ماهية موازين القوى، ومن دون ذلك لن يُكتب لأي تغيير أو مشروع النجاح. لكنّ السؤال هو كيف نتعامل مع هذه الرؤية؟ هل ننظر إليها باعتبارها ثابتاً لا مناص لنا منه، وقدراً لا مندوحة لنا عنه. إذا كان الأمر كذلك، فكيف نفسّر تكوّن الثورات التي تهبّ لمقارعة واقع فاسد، في ظل موازين قوى ليست لمصلحتها؟ وهذه سمة ثابتة في التاريخ كله، وسنّة من سنن التدافع بين الناس.
الشكر موصول للزميل سمير الزبن الذي فتح المجال لنقاش أوسع في مجموعة من الأفكار الرئيسة، على الرغم من أنه قد اختار أن يتعامل مع المقالة بشكل مجتزأ، فينتقي نصاً ويعزله عن سياقه، إلى حدٍّ توهمت فيه أنه يعقّب على نص آخر لا علاقة لي به. في بداية مقالته، يتساءل الزبن بدهشةٍ لافتةٍ عمّا إذا كان ثمة مشروع قومي عربي اليوم، مؤكّداً عدم حاجته إلى
“أداء الجانب الفلسطيني عقوداً، وكذلك ما يمكن أن يفعله لتغيير الواقع المؤلم، هو خارج معادلة الوضع العربي والتغيرات الإقليمية“ |
خوض نقاش لإثبات عدم وجوده، ومعرباً عن شعوره بالإحباط لأنه “إذا كان الطاهر مقتنعاً بما كتبه من وجود مشروع عربي اليوم، فهو يدعونا، نحن غير المقتنعين بوجوده، إلى أن نرى فشل المشروع الوطني المقاوم الذي يدعو إليه قبل أن يبدأ“.
لا أعرف من أين جاء الزبن بهذا الكلام، إذ لم تتطرّق مقالتي إلى مسألة وجود مثل هذا المشروع الآن، واقتصرت على ذكر التأثير المتبادل، منذ النكبة، ما بين القضية الفلسطينية والأنظمة العربية. ولاحظت في المرحلة الحالية ارتباكاً في دور الأنظمة العربية، وضعف قدرتها على التأثير في مجريات الوضع الفلسطيني، وهذا قد يساعد في تشكّل مشروع وطني فلسطيني بعيداً عن الوصاية العربية.
هل يجب علينا تقديم حلول الآن؟
مسألة تقديم حل للقضية الفلسطينية تؤرق الزبن، وتكاد بصيغة أو بأخرى تحتل قسماً كبيراً من تعقيبه، ليصل بعد نقاش مستفيض إلى أنّ حل الدولتين ما زال هو الحل الممكن، على الرغم من العثرات التي تعرّض لها. مطالباً بقراءة مختلفة تأخذ متغيّرات الواقع بالاعتبار، معترضاً على قولي إنّه ليس على الضحية أن تقدّم حلاً للجلاد، وإنّ الحل النهائي لن يستقيم إلّا بدحر الاحتلال، وتفكيك نظام الأبارتهايد الصهيوني، وتأكيد حق العودة، معتبراً أنّ هذا النص “يريد أن يقول كل شيء، من دون أن يقول شيئاً”، فالكاتب المعقّب يرى أنّ رؤية الحقوق الوطنية تكون في ظل المعطيات القائمة، ولذا اختار حل الدولتين باعتباره الحل الممكن.
الفارق بين النظرتين عميق وجوهري، ليس من باب الموافقة على حل الدولتين، أو تبنّي حل
“إعلاء شعار دحر الاحتلال يطلق جميع طاقات المقاومة، ويوحّد الجهد الوطني“ |
الدولة الواحدة، أو الدولة ثنائية القومية أو غيرها، الفارق الجوهري أننا لا نرى أنّ الوقت وقت تقديم اقتراحات بالحلول، أو السعي إليها، والتفاوض حولها، الوقت كله يجب أن يكون مكرساً للعمل على مراكمة النضال باتجاهاته المختلفة، من أجل تغيير الواقع، وليس قبوله والاستسلام له. أما صيغة الحل النهائي، فسوف تحدّدها مسيرة النضال ذاتها، ويصعب التنبؤ بإحداها الآن. ومن هنا، تحدثت عن شعار دحر الاحتلال باعتباره يطلق جميع الطاقات لمقاومة الاحتلال، ويوحّد الجهد الوطني، حتى مع الذين ما زالوا يؤمنون بحل الدولتين، ويعيد المسألة إلى أنّ هذه الأرض ما زالت محتلة، وليست أرضاً متنازعاً عليها، أو محلاً للتفاوض.
الرواية التاريخية الفلسطينية
قلت بالتمسك بالرواية التاريخية الفلسطينية، باعتبارها من سمات المشروع الوطني الفلسطيني، كما الحال بالنسبة إلى الميثاق الوطني، من دون أن ألتفت إلى من تمسّك بهذه الرواية أو فارقها، لعدم صلة ذلك بموضوع المقالة الرئيس. يعلّق الزبن على ذلك بأنه لا يعرف أحداً يدعو إلى التخلي عن الرواية الفلسطينية، “حتى أكثر الناس انحيازاً لخط المفاوضات، وتقديم تنازلات”، وكأنّ التمسّك بالرواية التاريخية الفلسطينية يشكّل نقطة إجماع بين مقدّمي التنازلات ورافضيها، من دون أن يفسّر كيف يمكن تقديم التنازلات مع التمسّك بروايتنا التاريخية، خصوصاً عند الاعتراف ليس بإسرائيل فحسب، بل بحقها في الوجود، فهل هذا الحقّ يندرج ضمن الرواية التاريخية للشعب الفلسطيني؟ وما هذا إلّا غيض من فيض التنازلات التي قصّرت عن إدراك الفكرة الصهيونية المتمسكة بروايتها على أنقاض روايتنا.
وضمن المنطق ذاته، يتساءل الزبن عن الثوابت التي أعنيها في بنود الميثاق الوطني، مسترسلاً
“التمسّك بالرواية التاريخية الفلسطينية يشكّل نقطة إجماع بين مقدّمي التنازلات ورافضيها“ |
في تعداد بنوده، متسائلاً عمّا سنتمسّك به من الميثاق. لا أعلم ما الفائدة من التشكيك في صلاحية بنود الميثاق؟ ولماذا يصرّ على الوقوف إلى يمين أولئك الذين عدّلوا بنود الميثاق في غزة، عام 1996، وهم يقولون إنه لم يُعدَّل أيٌّ من بنوده، زاعمين أنه في الاجتماع المشار إليه أُحيل هذا الموضوع على لجنة لدراسته، ولم تنعقد تلك اللجنة. وعليه، فإنّ الميثاق ما زال كما هو. ماذا نستفيد من إثارة هذا النقاش حول صلاحية بنود الميثاق؟ وهل يخدم مشروعاً نضالياً، أم يقدّم تنازلات إضافية ضمن تأهيل “الفلسطيني الصالح“، المتوافق مع سياسة الحلول الممكنة، وفق معطيات الواقع الحالي المفروض علينا؟
منظمة التحرير
يعترض الزبن على دعوتي إلى حوار وطني شامل لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وطلبي من أبناء حركة فتح، وفصائل المنظمة، وتحديداً الجبهتين، الشعبية والديمقراطية، المبادرة إلى نزع ورقة التوت التي يتستر بها القابضون على مقدّرات منظمة التحرير. أما وجه احتجاجه، فهو أنّ ذلك يعني “الاستعانة والاعتماد أساساً على القوى السياسية التي قادت المسار الفلسطيني خلال العقود المنصرمة، وأودت بنا إلى ما وصلنا إليه”، وهي “قوى لم تعد تملك أي نفوذ أساساً في الأوساط الفلسطينية”، و”الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية فصيلان بائدان، لم يعودا موجودين في الواقع الفلسطيني منذ عقود، وهما مندمجان في اتفاق أوسلو”، وكوادر حركة فتح “ليست أحسن حالاً من الجبهتين”؛ القوى السياسية الفلسطينية القائمة اليوم، هي “جزء من الأزمة، وليست جزءاً من الحل في أي مشروع وطني فلسطيني جديد“.
هنا ينتقل موقف الزبن من موقف الموافق على الحلول الواقعية إلى موقف ثوري رافض
“منظمة التحرير تمكّنت سابقاً من تحقيق وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، لكن اتفاق أوسلو مزّق هذه الوحدة“ |
“أوسلو”، والذين شاركوا فيه، داعياً إلى الانقلاب على الفصائل التي باتت جزءاً من المشكلة، مستهجناً مناشدتي السابقة لهم، ومتناسياً ما أشرت إليه أن تحقيق ذلك يتطلب قوة شعبية كبيرة وضاغطة، ودعوتي إلى عقد مؤتمرات شعبية واسعة، وانتخابات لاختار أعضاء المجلس الوطني، بعيداً عن المحاصصة الفصائلية، لإيجاد قوةٍ تمثيليةٍ كبيرة تستطيع أن تفرض إعادة بناء منظمة التحرير كياناً وطنياً معنوياً وتمثيلياً للشعب الفلسطيني.
وهنا يتساءل الزبن عن كيفية المحافظة على وحدة الشعب الفلسطيني في الخارج وفي الوطن كله، وكيفية إقامة “روابط الوحدة بين هذا الشتات الفلسطيني، وعلى خلاف السلطات التي تخضع لها التجمعات الفلسطينية”، متناسياً مرة أخرى أنّ منظمة التحرير تمكّنت سابقاً من تحقيق ذلك، وأنّ ما مزّق هذه الوحدة كان اتفاق أوسلو، وكانت الحلول الواقعية، وهي حلول متوهمة لجزء من الشعب الفلسطيني، ولا تأخذ بالاعتبار مصالح الشتات وفلسطينيي 1948، وأنّ إعادة وحدة الشعب الفلسطيني تكون عبر فصل المنظمة عن السلطة الفلسطينية، واعتبارها القيادة السياسية للشعب الفلسطيني المنخرط بأسره في برنامج نضالي موحّد، يشكّل النضال ضد نظام الأبارتهايد الصهيوني حلقته المركزية.
نظام الأبارتهايد الصهيوني
يطرح الزبن أسئلة عدة، أذكر بعضاً منها، معتذراً عن طول الاقتباس: “هل هذه المهمة فلسطينية حصراً؟”، وهل “هناك قوى داخل المجتمع الإسرائيلي شريكة للفلسطينيين في هذا النضال؟”، وهل “سيعود هؤلاء الإسرائيليون إلى بلادهم الأصلية؟”، وكيف سيكون ضمن سياسات “نظام الأبارتهايد الصهيوني العمل على دحر الاحتلال؟”، مستفهماً: “إلى أين؟ إلى ما وراء الخط الأخضر؟ وهل هذا يعني دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة (البرنامج المرحلي)؟”، أم دحره إلى خارج فلسطين التاريخية؟” و”ماذا يعني دحر الاحتلال؟ هل هو التحرير عبر الكفاح المسلح؟”، “وإذا دحرنا الاحتلال، فأي نظام أبارتهايد سنفكّك؟“. مسترسلاً في التساؤل عن القوة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية التي ستأخذ “على عاتقها تنفيذ هذه المهمة التاريخية الثقيلة، وبأي ثمن، وفي أي معطيات وشروط تاريخية”، و”هل يمكن هزيمة هذا العدو في ظل الاختلال الهائل في ميزان القوى؟“.
على وجاهة هذه الأسئلة التي يصرّح الزبن بعدم امتلاكه الإجابة عن بعضها، إلّا أنّ المقالة
“نظام الأبارتهايد هو الخصم الرئيس للشعب الفلسطيني، ومقاومته هي الحلقة المركزية في نضاله، وفي مشروعه الوطني“ |
ذاتها كان من الممكن أن تغنيه عن جزء من أسئلته المتكرّرة، التي ينمّ معظمها، إن أحسنّا الظن، عن عدم تماثلنا في فهم نظام الأبارتهايد الصهيوني، وربما عن قراءته الخاصة والمجتزأة للنص، بعيداً عن سياقه.
نظام الأبارتهايد الصهيوني يشمل أجزاء الوطن كله، وقطاعات الشعب كلها، الاحتلال والحصار والاستيطان في الضفة والقطاع، والطرد والتهجير وحرمان فلسطينيي الشتات حق العودة، والتهجير الداخلي وقانون الدولة اليهودية، والتمييز والتنكيل العنصري، في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948. وبذلك، فهو الخصم الرئيس للشعب الفلسطيني، ومقاومته هي الحلقة المركزية في نضاله، وفي مشروعه الوطني. ولا ينتهي النضال ضده بتعديل قانون هنا أو هناك، بل بتحقيق العدالة كاملة للشعب الفلسطيني كله، بما في ذلك حق العودة للاجئين، عبر تفكيك الكيان الصهيوني ذاته. والحل النهائي، كما ذكرت أعلاه، ستحدّده سيرورة الفعل النضالي نفسه. وفي اللحظة التي يُدحر فيها الاحتلال، أو يُحقَّق أي تراجع له، أو تُفرَض عزلة دولية عليه، وملاحقته جنائياً، ووقف موجة التطبيع العربي معه، فذلك كله يشكّل بداية نهاية نظام الأبارتهايد الصهيوني.
ويتيح النضال ضد نظام الأبارتهايد الصهيوني، الذي هو في جوهره الرئيس نضال شعبي، أشكالاً نضالية متعدّدة، وشعارات مختلفة تنضوي تحت سقفه، لكنها تتحد جميعاً وتتكامل في إطار حلقته المركزية، ويدعم كل منها الآخر؛ فالهبّات الشعبية، والنضال ضد الاستيطان وهجمات المستوطنين، تتكامل مع صمود غزة في التصدّي للاجتياحات ومقاومة الحصار، ومع تمسّك فلسطينيي الخارج بحق العودة، ومع نضال فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 ضد محاولات الأسرلة الصهيونية.
أما عن دور اليهود المعارضين للحركة الصهيونية، ومشاركتهم أو عدمها في ذلك كله، مجتمعاً وقوىً واتجاهات، وليس كأفراد، فهو سؤال لا يُوجّه إلى الفلسطيني، بل إلى تلك القوى اليهودية، لمعرفة ما إذا كانت مستعدةً لخوض نضال مشترك ضد الكيان الصهيوني. وفي جميع الأحوال، لن تنخرط قوى يهودية في هذا النضال ما لم يشتدّ ساعد النضال الفلسطيني، وسبق أن شاهدنا تظاهرات حركات السلام في ميدان رابين، خلال اجتياح لبنان، في عام 1982، وكيف ذوت مثل هذه الحراكات في مرحلة أوسلو ومرحلة إعادة إنتاجها. يؤسفني القول إنّ الحديث عن القوى الاجتماعية والاقتصادية التي ستأخذ على عاتقها القيام بهذه المهمة غابر طواه زمن الأيديولوجيات، هذه مهمة الشعب الفلسطيني كله الذي ستدعمه قوى التغيير العربي في موجاتها التي ستتلاحق ضد الاستبداد والفساد والتطبيع مع العدو.
في ختام مقالته، يتساءل الزبن عما إذا كان فشل الخيار السياسي والتاريخي يعني أنه خيار خاطئ بالضرورة. نعم، ثمّة ثورات عالمية فشلت نتيجة عدم قدرتها على تغيير موازين القوى، وارتكابها أخطاءً استراتيجية في مسيرتها. في حالتنا، إنّ جزءاً كبيراً من الفشل يعود أساساً إلى خلل في خياراتنا الاستراتيجية، وليس في أهدافنا، لكن ألا يجب أن يدفعنا فشل المشروع القائم إلى طرح البديل، والتوقف عن تجريب المجرّب؟