مقالات مختارة

ثورة سوداء ؟.. لا !.. ثورةٌ قوس قُزَحْ حيّان سليم حيدر

مع ثورة الإنسان على الظلم في كلّ مكان في “العالم الحرّ”، وعلى صدى صرخة الذين لا صوت لهم، وأمام خطوط باتت ترسم غضب عالم جديد ينفجر ألوانًا ضدّ التمييز والعنصرية، وعلى وقع التنديد بكلّ ما يمتّ للعبودية بصِلة والمطالبة بالإعتذار عن وحشية “ثقافتها” وإدانة تاريخها وكلّ ما مثّلتها من “قِيَم” والتعويض عن جرائمها، راودتني لوحات شعرية من قصيدة “الثورة السوداء” التي ألقاها سليم حيدر في كلية المقاصد في صيدا منذ نصف قرن.

 

وكانت قد “إلتمعت القصيدة في نفس الشاعر” من معاشرته للسود في الدراسة وفي الجامعة، في السفارات، وفي المؤتمرات الدولية… ومن متابعته لجهاد الأفارقة من أجل إستقلالهم”.  ولنترك له الكلام:“الثورة السوداء!… أهي مأساة الزنوج وحدهم؟  أم هي بالواقع مأساة الإنسان؟.. والزنجي الثائر، أهو حتمًا عبد أسود؟ أم هو كلّ مظلوم على الأرض؟..” ثم يختم مقدّمته بالقول:“كلمة الثورة في جوّنا تهدر.  تعبّر حينًا عن يأسنا، وحينًا عن طموحنا، وحينًا عن ولعنا بترديد الكلمات الكبيرة.  ولكنّها في الجوّ تهدر.”

فيما يأتي أجزاء من القصيدة، والفواصل (نقاط) تشير إلى إنقطاع في تسلسل الأبيات (للإختصار).

 الثورة الســـوداء (*)

عبثًا فتَّشت، ملءَ الدين والدنيا وعمرَ الكون، عن لونٍ سواهُ

عبثًا بالماء، بالصابون، بالثلج المفضَّضْ

بالدعاء الواله العربيد، بالنجوى المريرة

بالتعاويذ القديره…

لم أجد ما يجعل الأسود أبيضْ

هو لوني، لونيَ الأعمى، ولا يُجلى عماه !

صارخًا في دَغَش الصمت المعمَّى: أنا أسود !..

أسود اللون أنا، والحظِّ والتاريخِ، عبدُ

من ترى قد صنع التاريخ بهتانًا وزورا

من ترى قد صنَّف الحظَّ قصورًا وقبورا

وهناء مستطابًا وعذابا مستطيرا

وجسومًا في مهاوي الطمع الجاني جسورا

من ترى قد صنع التاريخ إقطاعًا عليه الحظُّ جُنْدُ ؟..

تلك أيدٍ خنقت روحَ المفاهيم، الضميرا !

قيل لي – قيل لنا، للسود – قولَ ماكر التزوير، وغدُ :

·         

واستكان الكون… والزنج يضجون بأصفادٍ، رُقاقا !

·         

هكذا قيل، وقيل العكس، مالي أتوجَّدْ ؟

عِلَّتي أَني كالزلَّة أسود:

·         

مولدي ؟ .. ما الفرق، والطالع نحسُ ؟

أنا منذ الدّهر في سجنٍ مؤبَّدْ

أزليٌّ ثوبيَ الغيهب في المحنة سرمد

مات بي الإنسان في النسيان، في الذل المعبَّد

مات أو كاد، وأمضي

والسنى يرفض رفضي

أسودَ الطلعة في رأد الضحى والليل… أسودْ !

·         

أنا أسودْ …

أيُّ معنًى هذه الألوان تعني ؟

أنا إنسان بخلقي وبروحي وبقدري وبوزني

لن تَجدَّدْ

قصة الراكب والمركوب ما مرَّت بذهنِ !

فتِّحِ العينين ، يا أبيض ، وجداني تفتَّحْ

طال نومي ، طال عمر الظلم في الدهر المرنَّح

·         

إن اصل الجمر من لون إهابي

نَسَبي أنيَ إنسان ، فإن شئتَ … وإلا

فالدم القاني يروّي الليل فجرًا مستهلا

·         

هيه يا أبيضُ اني لك ناظر

إن أسنانيَ بيضُ

وطويل حقدي المكبوت في الدهر ، عريضُ

هيه يا أبيضُ ، أَقبل في عتادِكْ

نشعِلِ الدنيا بفحمي وبوريٍ من زنادِكْ !

·         

ثورة سوداء ؟.. لا !.. ثورةٌ قوس قُزَحْ

نحن – زنجَ الظلم في الدنيا – سواد البشريّة

حيثما حيٌّ رزحْ

حرَّكت آلامه آلامنا بالسببيّة !

الزنوج السود في أفريقيا

الزنوج الصُفر في شرقي جنوبي آسيا

الزنوج الحُمر في أدغال أمريكا الرهيبَهْ

الزنوج الكستنائيون، أنجاس الهنودِ

الزنوج السُمر أبناء فلسطين السليبه

عرضة للمحق في أيدي الصهايين اليهودِ

الزنوج البيض في الحرمان من حق الكرامه

الزنوج العاطلون

الزنوج الجاهلون

الزنوج الجائعون

الزنوج اللاجئون

كل مهضومٍ أخونا حيثما كان يكون

إخوةٌ نحن، ضمير الكون آخى بيننا في الإستضامه !

·         

هيهِ يا ظالم، جمِّعْ كلَّ ظُلاّم البرايا

سخِّرِ العقلَ لقتل الروح في كل القضايا

لن يكون النصر معقودًا لتجار المنايا !

نحن روح، نحن حقٌّ، نحن مدٌّ،… أنت جذر !

إنتبه يا صاح: زيد قد ونى واشتد عمرُو !

نحن للمهضوم عونُ

كائنًا من كانْ

ليس للمظلوم لونُ

إنه إنسان !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى