الاحتجاجات الأميركية تضع وسائل الإعلام تحت المساءلة
وضعت التظاهرات التي تشهدها الولايات المتّحدة منذ نحو ثلاثة أسابيع، احتجاجًا على مقتل الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد على يد شرطي أبيض، هيئات وسياسات تحرير العديد من وسائل الإعلام الأميركية على كرسي المساءلة طارحةً أسئلة جوهريّة حول تغطية الاحتجاجات والمسألة العرقيّة ونقص التّنوّع العرقي في بعض الهيئات.
ولم يكد يمضي أسبوع منذ قدّم المسؤول عن زاوية الآراء في صحيفة “نيويورك تايمز” بعد نشره مقالًا اقترح حشد الجيش لإدارة التظاهرات، مثيرًا وابلًا من الانتقادات للصحيفة، فيما أثار عنوان صحيفة “فيلادلفيا إينكوايرر” عاصفةً في هيئة تحريرها بعد أن ساوى العنوان بين الخسائر المادية خلال التظاهرات المناهضة والأميركيين الأفارقة الذين تقوم الشرطة بقتلهم، قائلًا إنّ “المباني تهم أيضا“.
ونقلت وكالة أنباء “فرانس برس” عن أحد مدراء “ماينارد اينستيتيوت”، وهو المركز الذي يروج للتنوع في وسائل الإعلام، مارتن رينولدز قوله إن “الكفاح الذي نراه في الشوارع يفرض نفسه على هيئات التحرير الأميركية، لأن صحافيين يشعرون بالاستياء من التغطية لأنهم يمنعون من تغطية قضايا بسبب انتماءاتهم الاتنية“.
وأكدت صحافية سوداء في صحيفة “بوست غازيت” التي تصدر في مدينة بيتسبرغ أنها استبعدت من متابعة التظاهرات بعد تغريدة استفزازية؛ ودافع عشرات من زملائها عنها، لكن رئيس التحرير كيث بوريس برر قراره بضرورة احترام الموضوعية.
وترى الصحافية الخلاسية في الموقع الإخباري الإلكتروني “ذي إنترسبت”، أكير لاسي أن “هناك تحفظات كبيرة على الإقرار بأن الصحافيين غير البيض ليسوا منحازين”. وقالت “من المؤلم أن نرى أن امتياز التشكيك يمنح بشكل منهجي للذين حددوا القواعد”، أي البيض.
واعتبر رينولدز أن “لا أحد موضوعي”، أيًّا كان لون بشرته، مشيرا إلى أن الموضوعية “وهم”. وأضاف “لكن الجميع يمكن أن يكونوا نزيهين خصوصا إذا كانوا يعون انحيازهم”؛ واستطرد: “الصحافي يمكنه تغطية كل شيء (…) إذا كان مؤهلا”، داعيا إلى مزيد من التفكير والتأهيل الداخلي في وسائل الإعلام حول معالجة القضايا العرقية في الولايات المتحدة.
وتعترف لاسي بأن الخلافات الداخلية التي يشهدها عدد من وسائل الإعلام والأجواء العامة في الولايات المتحدة منذ بداية التظاهرات تجعل الحوار صعبا، مشيرة إلى أنها الصحافية الوحيدة الملونة في هيئة التحرير التي تعمل فيها، قائلةً إنّ “هناك خوف حقيقي من أن نقول أمرا غبيا أو أن نخضع للحشد المطالب بصحوة ضمير”، لكن “يجب عرض كل شيء للنقاش. ليس هناك سؤال غبي“.
ومن أسباب هذا الجدل نقص التنوع في هيئات التحرير التي يقول مركز الأبحاث بيو في دراسة نشرت في نهاية 2018 إن نسبة البيض فيها تبلغ 77 في المئة، بينما نسبة هؤلاء بين كل العاملين تبلغ 65 في المئة.
ويرى رئيس التحرير السابق في صحيفة “يو إس إيه توداي”، كين بولسون، في ذلك تراجعا، بعد تقدم أحرز في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، مستذكرًا أن مجموعة “غانيت” المالكة للصحيفة ربطت مكافأة كوادرها بتنوع طواقمهم وكذلك بتمثيل الأقليات على صفحات الصحيفة. لكن الأزمة التي تواجهها الصحف منذ أكثر من عشر سنوات وإلغاء الوظائف قلّصا التنوع.
وأكد بولسون الذي يعمل مديرا لمركز حرية التعبير في جامة “ميدل تينيسي”، أنه ليس قلقا بشأن تغطية “الأحداث الرئيسية” مثل وباء كوفيد-19 والتظاهرات، معتبرا أنها “جيدة جدا”. وقال إن “التحدي هو رواية القصص القصيرة التي تصف ما يحدث فعليا” في المجتمع الأميركي. واضاف أن “الصحافيين والتنوع أساسيون لهذا السبب“.
وإضافة إلى مشكلتي التمثيل والتنوع، تضاف تلك المتعلقة بقوة صورة القنوات الإخبارية، المتهمة في أغلب ألأحيان بالإضرار بمدى تعقيد القضايا العرقية.
وفيما أشار رينولدز إلى أن صور مبان محترقة ومخربين هيمنت لفترة قصيرة على التظاهرات “وغيرت مسار الجدل لبعض الوقت”، قال بولسون آسفا إن “كل شيء يجب أن يكون مرئيا”، موضحا أن “لا أحد سيرسل فريقا لتصوير جلسة مساءلة عن الحقوق المدنية”. وتابع أن التلفزيون “لا يهتم بالتفكير العميق وهذا ما تحتاج إليه الولايات المتحدة اليوم”.