ســــانـدرزمِمَّن الـخـَوْف؟بقلم: د.بثينة شعبان
قال الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر قبل أيام مخاطباً الرئيس الحالي، دونالد ترامب:
“أنت خائف من أن تتقدّم الصين علينا، وأنا أتفق معك. لكن هل تعرف لماذا الصين أمامنا؟ لقدقمتُأنابتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الصين عام 1979 م، منذ ذلك التاريخ هل تعرفكم مرّة دخلت الصين في حرب مع جبهة ما؟ ولا مرّة واحدة، بينما نحن في حالة حربباستمرار، أمريكا هي الدولة الأكثر خوضاً للحرب في تاريخ العالم لأنها تريد فرض حكوماتتستجيب لتوجّهات حكومتنا، ولقيمنا الأمريكية». بينما تستثمر الصين مواردها في تطوير البنىالتحتية وتطوير اقتصادها، فالقطارات مثلاً في الصين لا مثيل لها في الولايات المتحدة أوأوروبا، والنظام الصحيّ في الصين برهن على أنّه الأول عالمياً، والنظام المجتمعيّ والقيميّبرهن على أنّه يحترم الإنسان والحياة الإنسانية في الصين وفي كلّ مكان في العالم، بينمايصرخ الأمريكان من أصل أفريقي، وبعد قرون من تأسيس نظام يدّعون أنه ديمقراطي،يصرخون أنهم «يريدون أن يتنفّسوا». وواقع الحال هو أنّ الشعوب في كافة بلدان العالم تحتاجأن تتخلّص من الهيمنة الأمريكية كي تستطيع أن تتنفّس، وأنْ تشعر أنّ حياتها تماثل في قيمتهاحياة الإنسان الأبيض. حين فاوضت الولايات المتحدة قادة الاتحاد السوفيتي لتفكيك منظومتهكانت تعدهم بتفكيك حلف الناتو وحلف وارسو معاً، وتعدهم بأنّ ميزانيات الدفاع سيتمّ تقليصهافي الولايات المتحدة أسوةً بالاتحاد السوفياتي كي تُنفق الأموال على تطوير البلدان وخدمةشعوبها وازدهارها. ولكن الذي حدث هو أنّ الاتحاد السوفياتي قام بتفكيك حلف وارسو، بينمابقي الناتو على ما هو عليه واستمرّت الميزانيات الحربية بالتصاعد والسياسات الأمريكيةبإشعال الحروب كي تجد سوقاً لأدوات القتل والتدمير التي تنتجها الحربيّة الأمريكية.
وقد دفعالوطن العربيّ فاتورة عالية لهذه الحروب؛ فقد أشعلوا الحرب العراقية – الإيرانية، وكانتالولايات المتحدة الأمريكية ودول الناتو هي التي تمدّ صدّام حسين بالسلاح والعتاد، ومن ثمّقاموا بحربهم لاحتلال العراق، وقد دفعت السعودية ودول الخليج فاتورتها، ومن ثمّ تمّ إشعالالحروب في ليبيا والعراق وسورية، وإشعال أَوار حرب مجرمة في اليمن تدفع فاتورتها الماديةالدول الخليجية، ويدفع العرب في اليمن والعراق وسورية وليبيا حياة أبنائهم وحضارتهم وأمنهمواستقرارهم لحرب لا يعلم أحد ما هو هدفها وإلى أين منتهاها. ورغم أنّ الصناعة الحربية قدتكون مربحة جداً وتأتي بموارد لا تأتي بها أيّ صناعة أخرى إلا أنها لا تخلق دورة اقتصاديةفي البلاد، ولا تحسّن البنية التحتية أو مستوى الخدمات، ولهذا نجد أنّ الصين التي يرتكزاقتصادها على العلوم والتكنولوجيا وتطوير البنى التحتية تقفز إلى مرتبة الدولة الأولى المتقدّمةفي العالم، ولن يطول الوقت حتى تتربع على عرش القطب الأهمّ، وباعتراف العالم برمّته بمافيه الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.
وهنا أودّ أن أعرّج على الفرق الجوهريّ بين النظام الصيني والنظام الأمريكيّ؛ إذ إنّ كثيراًممّن يدّعون المعرفة يسألون ما هو الفرق، سواء أكانت الولايات المتحدة هي القطب الأول فيالعالم أم الصين، فنحن دائماً سنكون محطّ استغلال وهيمنة من أيّ قطب، والقول هذا يتجاهلالفرق الشاسع بين تاريخي البلدين، وبين المنظومتين المختلفتين تماماً للقيم السياسية
والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية السائدة في البلدين. فالصين ترتكز على حضارة عريقةعمرها آلاف السنوات اكتشفت الطبّ والدواء والعلاج الخاصّ بها قبل اكتشاف الولاياتالمتحدة بقرون، والصين لم تعتدِ في تاريخها على شعب أو بلد، ولم تدمّر حضارة، ولم تقتلالسكان الأصليين لأيّ بلد كي تحكم ذاك البلد، بل كانت هي التي عانت من الاستعمار ومناستحضار بلاء الأفيون لشعبها والذي تخلّصت منه بمعجزة كانت بداية الانطلاقة الصينيةالحديثة.
كما أنها اليوم، ورغم تفوّقها في العديد من المجالات على معظم دول العالم، ورغم أنهااستخدمت الطبّ الصينيّ التقليديّ لمعالجة الكورونا، وحصلت على نسبة شفاء 93% من هذاالعلاج الصيني المحضْ، فإنها لم تفرضْ على أحد أسلوبها في العلاج، ولم تروّج له حتى معدول العالم الأخرى، بل قدّمت المساعدات لعشرات البلدان بصمت ودون أيّ ثمن سياسي أوإيديولوجي.
ومع أنّ النظام السياسي في الصين مختلف جداً عن بقية البلدان، فلم تحاول يوماً أنتفرض هذه السياسة على أحد، أو أن تدّعي أنّ هذا النموذج يجب تطبيقه في كلّ مكان. إذاً نحنأمام منظومتين سياسيتين وفكريتين وأخلاقيتين مختلفتين تماماً، ولا تجوز المقارنة أبداً؛ فطالماأنّ الاقتصاد الأمريكي يرتكز أساساً على صناعة الأسلحة، فإنّ السياسة الأمريكية ستشعلالحروب حيثما تمكّنت من فعل ذلك، وستسعى كي تكون حكومات الدول التابعة لها، كالسعوديةوالخليج، سوقاً لمنتجات صناعة السلاح الأمريكية، أو تحارب بالنيابة عنها. ولذلك حين يقولالسيناتور الأمريكي بيرني ساندرز: «بدلاً من إنفاق 740 مليار دولار على وزارة الدفاع،دعونا نعيد بناء مجتمعاتنا في الولايات المتحدة التي دمّرها الفقر والسجن». لا شكّ أنّ الحروبالتي شنّتها الولايات المتحدة على بلداننا العربية سواء من خلال الغزو، أو بواسطة حكوماتمحلية، أو من خلال الإرهاب، أو بشكل مباشر، قد دمّرت البنى التحتية والتعليمية وأعادت هذهالبلدان عقوداً إلى الوراء، ولكن الولايات المتحدة نفسها وبهذه الحروب تقوم أيضاً بعملية تدميرذاتيّ بطيء وطويل الأمد، ولكنه في النهاية تدمير سيؤدّي إلى تدمير الامبراطورية الأمريكيةأو تفكيكها على أقلّ تقدير، ذلك لأنّ هذا الكوكب كتلة واحدة، وأنّ البشر الذين يقطنونه أسرةإنسانية واحدة، ولا يمكن استهداف جزء منها دون تضرّر الأجزاء الأخرى.
رغم أنّ الإعلام في الولايات المتحدة استفاض في الحديث عن العولمة وعن حتميتها، وطبعاًبمعنى أن يعيدوا تشكيل الآخر على صورتهم، فهم لا يؤمنون أبداً بالمساواة بين البشر لا داخلالوليات المتحدة ولا خارجها. إنّ تصريحات بومبيو حول المحكمة الجنائية الدولية، وتصريحاتوزير العدل الأمريكي، ويليم بار، حول ذات الموضوع تُري أنهم يصنّفون الأمريكي الأبيضفوق مستوى بقية البشر بما يتضمّنه هذا من استهتار بحياة الناس الآخرين، وإلّا كيف يمكن أنيلحقوا عقوبات بشعوب كاملة ويهدّدوا الآخرين ممّن لا يلتزم بهذه العقوبات أنّه سوف يخضعللعقوبات ذاتها، بينما يدافعون عن كيان محتل غاصب يرتكب أبشع الجرائم بحقّ البشر والحجرمن سكان الأرض الأصليين في فلسطين. إنّ النظام القائم على العنصرية، والذي لا يسمحللعرق الآخر أو اللون الآخر أو الدين الآخر أو البلدان الأخرى أن تتنفس، سيواجه نهايتهالحتمية عاجلاً أو آجلاً. فالخوف ليس من الصين، أو يجب ألّا يكون من الصين لأنّ الصينتبني وتتطور، وتمدّ يد العون لمن يريد البناء وتدعم الشعوب وسيادة البلدان، ولكنّ الخوف علىالولايات المتحدة ينبع من بنية النظام نفسه القائمة على اقتصاد السلاح وإشعال الحروب والفتنونشر الإرهاب، الأمر الذي يسبّب المعاناة الفظيعة لشعوبنا وبلداننا، ولكنه يهزّ أيضاً دعائمالقطب الأول في العالم وسيزلزلها بعد حين. في هذا الوقت بالذّات، الذي نشهد فيه بوادر أفولالإمبراطورية الأمريكية، يتراكض بعض العرب إلى الكيان الصهيوني كي يحملهم معه إلىواشنطن متجاهلين حقوقهم وكرامتهم وتاريخهم وأنّ المستقبل أصبح على الضفّة الأخرى منهذا الكوكب.