من الصحف الاسرائيلية
جاهر الوزير الإماراتي وسفير بلاده في واشنطن، يوسف العتيبة، في مقال نشره في صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم، الجمعة، برغبة الإمارات بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، واضعا عدد من الاعتبارات الواهية لتبرير توجه كهذا، التي يصعب الاقتناع بها، ليصل إلى تلويح ضعيف بأنه “إما الضم أو التطبيع“.
ولم يأت العتيبة بأي جديد بقوله إن مخطط الضم الإسرائيلي “ليس قانونيا” وأنه مخالف للإجماع العربي والدولي. لكنه اعتبر أن الضم “سيشعل العنف ويحرك المتطرفين”، أي أنه يعتبر أن من يعارض الضم ويقاومه هو “متطرف”، وكأن الإسرائيليين يتخوفون من “العنف” و”المتطرفين”. وبالإمكان القول هنا، على الأقل، أن العتيبة إما يجهل أو يتجاهل سياسة إسرائيل، التي سعت بمنهجية، على سبيل المثال، إلى تصعيد انتفاضة القدس والأقصى، التي اندلعت عام 2000، كلما حاولت قيادة السلطة الفلسطينية خفض لهيبها والتوصل إلى وقف إطلاق نار مع الاحتلال.
وادعى العتيبة أيضا، أن الإمارات دعمت السلام في الشرق الأوسط بقوة، وأنها تدخلت من أجل “تقليص نزاعات، وساعدنا في إنشاء محفزات – الجزر بدلا من العصي – وركزنا اهتمامنا على أمور بإمكانها أن تعود بالفائدة على الجانبين. وعارضنا بشكل مثابر ونشط العنف من كافة الأطراف: وصفنا حزب الله ’تنظيما إرهابيا’، استنكرنا تحريض حماس ونددنا بالاستفزازات الإسرائيلية“.
وتباهى العتيبة بأنه “كنت أحد ثلاثة سفراء عرب في الغرفة الشرقية في البيت الأبيض عندما كشف الرئيس ترامب عن خطته للسلام في كانون الثاني/يناير الماضي” في إشارة إلى “صفقة القرن”، التي تتجاهل حقوق الفلسطينيين وتنسجم مع مخططات اليمين الإسرائيلي. وأضاف أنه “عملت عن كثب مع إدارة أوباما أيضا، بما يشمل خطة الخطوات لبناء الثقة، التي كانت ستمنح أفضليات كبيرة لإسرائيل – على شكل علاقات محسنة مع الدول العربية”، وقال إن ذلك كان “مقابل حكم ذاتي أكبر واستثمار في فلسطين“.
وبرز في مقال العتيبة في الصحيفة الإسرائيلية أنه لم يذكر كلمة “دولة” للفلسطينيين، وإنما هو يتحدث عن “حكم ذاتي أكبر”. وفي المقابل شارك الإسرائيليين تطلعاتهم، بأن “إسرائيل والإمارات هما دولتان لديهما الجيشان الأكثر كفاءة في المنطقة، وتتشاركان القلق حيال الإرهاب والعدوانية، وعلاقات طويلة وعميقة مع الولايات المتحدة”، ليؤكد بذلك للإسرائيليين أنهما في خندق واحد.
وأضاف العتيبة أن “الضم سيؤدي إلى تشدد وجهات النظر العربية حيال إسرائيل، في الوقت الذي فتحت فيه مبادرات إماراتية فرصة لتبادل ثقافي وفهم أوسع لإسرائيل”، وكأن إسرائيل هي لغز يصعب فك رموزه، وتجاهل أن إسرائيل بحاجة ماسة لـ”العدو” العربي ليشكل صمغا يكتل المجتمع الإسرائيلي الذي يعاني من شروخ داخلية كبيرة للغاية.
وتابع العتيبة، يستجدي التطبيع مع إسرائيل، أن الإمارات تقدم “الجزر، المحفزات، وهذه هي الجوانب الإيجابية بالنسبة لإسرائيل. أمن أكثر. علاقات مباشرة. تقبل متزايد لها. هذا هو التطبيع. لكن التطبيع ليس ضما. والضم هو استفزاز خاطئ بحجم آخر… وكنا نريد في الإمارات، وفي قسم كبير من العالم العربي، أن نؤمن بأن إسرائيل هي فرصة، وليست عدو. فنحن أمام مخاطر مشتركة كثيرة ونرى الإمكانية الهائلة بلاقات أكثر دفئا. وقرار إسرائيل بالضم سيكون مؤشرا لا يمكن الإخطاء حياله إزاء السؤال ما إذا كانت ترى الأمور بشكل مشابه” للإمارات.
وما لا يدركه العتيبة إن لم يكن يتجاهله هو أن إسرائيل تريد علاقات مع الإمارات وغيرها من الدول العربية من أجل تحقيق مصالحها، الاقتصادية والأمنية، لكنها ترفض التراجع عن سياساتها بما يتعلق بالاحتلال والاستيطان والعدوان المتواصل ضد الفلسطينيين خصوصا، والأهم من ذلك أنه طوال السنوات الماضية، لم نشهد مواقف إماراتية، من أي نوع، ضد الممارسات العدوانية الإسرائيلية.
خلص “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب في تلخيص نشره لمؤتمر عقده في وقت سابق من الأسبوع الحالي، إلى أن المخطط الإسرائيلي لضم مناطق واسعة في الضفة الغربية، سيؤدي إلى لجم “خطوات متعددة الفوائد” بالنسبة لإسرائيل، تتمثل بمواجهة إيران ونسج “علاقات إستراتيجية” بين إسرائيل ودول عربية “براغماتية” وبناء جبهة واسعة ضد إيران.
ووصف المعهد في تلخيصه “فرض السيادة” بأنها “صياغة ليّنة لضم إسرائيلي أحادي الجانب لمناطق” في الضفة الغربية، وهذه “خطوة غايتها خلط الأوراق وتغيير قواعد اللعبة في الحلبة الإسرائيلية – الفلسطينية… وإذا لم تصمد السلطة الفلسطينية تبعات الضم، وبينها غليان شعبي واسع، فإن هذه الخطوة قد تؤدي إلى إنهاء دورها وحلّها“.
وحذر المعهد من أن نتائج ذلك ستكون بأن “تجد إسرائيل نفسها مسؤولة عن 2.7 مليون فلسطيني الذين يسكنون في المناطق (المحتلة). وسيؤثر هذا التطور الإشكالي على طبيعة دولة إسرائيل الديمقراطية والديمغرافية، وتعني تسريع التوجه إلى واقع الدولة الواحدة“.
وأشار المعهد إلى أنه من الناحية القانونية، لا فرق بين “فرض السيادة” و”الضم”، إلا أن مصطلح “فرض السيادة” له صبغة سياسية ودلالة شرعية، “وليس صبغة سلبية بمعنى السيطرة”. والقوانين الإسرائيلية لا تسري على الضفة الغربية كونها منطقة محتلة، لكن قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، بصفته “القائد العسكري” في الضفة، يحول هذه القوانين إلى أوامر عسكرية كي تسري على المستوطنات. ويعني “فرض السيادة” أن تسري القوانين على المنطقة التي يتم ضمها، “والسلطات الإسرائيلية تتحول إلى الجهة صاحبة الصلاحيات في المنطقة“.
وأردف المعهد أنه “لذلك، سيسهل الضم مصادرة منطقة فلسطينية لمصلحة (إقامة) مستوطنات جديدة أو توسيع مستوطنات قائمة. ولن يكون الفلسطينيين في المنطقة التي تم ضمها خاضعين للسلطة الفلسطينية وإنما للقانون الإسرائيلي، كسكان في دولة إسرائيل، وسيكون بإمكانهم طلب المواطنة”. وبحسب “قانون أساس: الاستفتاء الشعبي”، فإنه في حال أرادت حكومة إسرائيلية مقبلة الانسحاب من المنطقة التي تم ضمها، ينبغي أن يؤيد ذلك 80 عضو كنيست أو استفتاء شعبي، ما يعني أن “الضم يكبل أيدي الحكومات القادمة“.
ومن ناحية القانون الدولي فإنه لن يتم الاعتراف بالمنطقة التي تضمها إسرائيل بأنها تقع تحت “سيادتها”. كما أكد المعهد أن “الجهات الدولية ستستمر بالنظر إليها كمنطقة محتلة، ويوجد للفلسطينيين حقوق فيها، وخاصة لكي يطبقوا فيها حقهم بتقرير المصير بإقامة دولة. وستبقى إسرائيل مطالبة كدولة احتلال بتنفيذ التزاماتها تجاه الفلسطينيين. وتتزايد هذه الواجبات كلما تراجع أداء السلطة الفلسطينية. وعمليا، لن تسري الاتفاقيات بين إسرائيل والدول التي لن تعترف بالضم على المنطقة التي يتم ضمها، وسيتعين على إسرائيل الحسم بين التمييز بين أراضيها ضمن حدود 67 وبين المنطقة التي تم ضمها في الضفة الغربية، أو المخاطرة بإلغاء تلك الاتفاقيات“.
وأضاف المعهد أن “القرار بشأن الضم سيوصف على أنه انتهاك خطير آخر من جانب إسرائيل للقانون الدولي الذي يسري على الدولة. وتغيير الحكم في الولايات المتحدة قد يؤدي إلى قرار مندد في مجلس الأمن الدولي (أي ألا تستخدم الولايات المتحدة الفيتو). بل أن الضم سيشكل موضوعا آخر ستنظر به محكمة الجنايات الدولية في إطار تحقيق متوقع” ضد الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة عام 1967.
وأشار المعهد إلى معارضة الفلسطينيين لمخطط الضم، وأن السلطة الفلسطينية في الضفة وحماس في قطاع غزة تعملان من أجل منع إسرائيل من تنفيذه. لكنه أضاف أن “حيز العمل لديهما ضئيل ويوجد اختلاف واضح بين شدة التصريحات وتأثير الأدوات التي بحوزتهما. ورغم أن جميع الفصائل في الساحة الفلسطينية يرى أن الوقت حان للمصالحة، لكن من الناحية الفعلية ليس بالإمكان الجسر بين المواقف… وإلغاء اتفاقيات أوسلو هي خطوة ستكون لها تبعات خطيرة على السلطة ولذلك هي تتخبط حيال الهدف من خطوة في هذا الاتجاه”.