إرحلوا… هذا عصر ما بعد كورونا حيّان سليم حيدر
إرحلوا … مسؤولون متورّطون حكوميّون برلمانيّون موظفون، أفرادًا و”ظريفات”. إرحاوا … هذا لن يكون بعد اليوم مكانًا للذين “لا يشبهوننا”.
وللحيارى نقول: “قَوّا حالكم، لأنّ العالم عائد إلى ما يشبه “تطبيق” داروين: البقاء للأقوى، للأصلح، للأَسْلَم. وللآخرين نقول: قَوّا “ركْابكم” لأنكم ستحتاجون إليها لوقفة الصمود أو للركض فيما بين خيار الهروب من الكورونا أو اللحاق بأموال “الإقتصاد الوهمي” العالمي: لأنّ العالم، ولبنان منه، لن يكون بعد كورونا كما كان قبلها.
إهربوا، أركان الخيانة والعمالة والمهانة. أمّا الباقون، فتعالوا إلى معسكرات التدريب على الصمود وتحصين الذات، وحلقات إزالة الوَهْم من النفوس و الوَهْن من النصوص والنَهْم من اللصوص. تعالوا إلى مدارس تُعلّم كيف نواجه الإستسلام، إلى جامعات تُخرّج في فنّ محاربة الإحباط، إلى أحضان أمّهات لا تعرف الخنوع ولا الميوع ولا حتى الدموع.
و لِذَليلي القوم، إذهبوا إلى حيث من يشبهكم و تشبهون. إهربوا. ها هي كورونا تعيدنا إلى العصر الحجري، حيث اللغة خشبية والإرادة حديدية و”المَفْتُولات” برونزية والرُكَب مسمارية، إلى عصر جليدي جديد حيث الأعصاب فولاذية.
وبعد، سينتقل هذا الوطن من بلد مفعول به إلى بلد فاعل لعزّة أهله.
لا مكان للوسطيّة مع النظام الكوروني الجديد، ولا للنأي بالنفس أو عن النفس، ولا لمجتمع “جو سوي” أو لأيّ ظاهرة “غبية” (بإسقاط الراء عمدًا) أو ما شابه. فليعقد صفقته من يريد، صفقة في القرن، عند ذي القرنين، أو في الألفية، هذا لن يغيّر أمرًا في وجه النظام الآتي إلى لبنان… قريبًا جدًّا، نظام مناعة الراعي الصالح وليس نظام غَنَمية القطيع.
هذا عصر، متى تخاذل فيه الرجال، قال فيه الشاعر:
قُلْ للعبيد تحرّروا أو حـرّريهم يا إماء فمتى الرجال تخاذلوا ألبند ترفعه النساء” (1)
إرحلوا !… يا أشباه الرجال، يا قوارض الأوكار، جراذين الإنعزالية، يا تجّار الخوف وسُعاة الفتنة يا أصحاب الجينات الضحلة التي لا تعرف العزّة، هذا زمن أصحاب المواقف الفحلة الذين يصونون الكرامة. إرحلوا سماسرةً مع الأموال المسروقة إلى مراتع دنيا رأس المال المتوحّش. إرحلوا بلا عودة، تمامًا مثل أموالكم المنهوبة وأفكاركم غير الموهوبة.
إذهبوا من حيث أتى الوباء. إنْجَرِفوا مع الإجتياح … في مجاري الخزي. إرحلوا بالطوّافات مع ذاك الذي يُرَكِّب “إذن الجَرّة” حيث يريدها.
هذا ليس وطن للضعفاء، ولا لأنصاف المواطنين. لن يكون وجهان للخيانة فيه، تمامًا كما ليس من وجهين للكذبة. أما مرض العبادة والتبعية، فلا وقت لدينا لعلاجه، إذهبوا إلى حيث يعالجونكم منه قبل نشركم للعدوى. إلحقوا بالركب، يا بلا رُكَب!..
يا جماهير “الحرية.. السيادة.. الإستقلال” المُزيّفة! الحرية تبدأ مع هذا الإعلان، السيادة تتماهى مع هكذا موقف، والإستقلال يكون عن أسياد هؤلاء العملاء ومرجعياتهم. فليعلم الداني ولِيُعْلِم القاصي، لا سكينة مع هذا العدو على الحدود، على الحدود الجنوبية ولا مع مَن ورائه. تعالوا نتجاوز معًا هذه الحدود إلى حيث نحقّق الحقّ، الى حيث الكرامة الوطنية والعزّة والأخلاق. لا سكينة مع الضدّ… ولو بعد قرون، ولو بعد كورونا.
وللمعنيّين مسؤوليّةً نقول: إحكموا بالحقّ، على الدرب السوي، بالتمييز فيما بين خائن ومجرم وعميل ومُقَرْصِن ومُفَبْرِك وسارق وواشي وراشي وحتى بين مجرّد ماشي … في مظاهرة الرأي الآخر!
وإلى جماعة حياد لبنان: إذهبوا إلى منطقة حياد ما، بعيدة، أيّ حياد، إن وجدتموها. وخذوا معكم جماعة النأي بالنفس: إنؤوا بأنفسكم في جزيرة منعزلة مثل مالطا أو إيسلاندا، مع وافر الإحترام، وتذكروا أنّ حتى أنأى جزيرة في الكون، مثل نيو زيلاندا في القطب الجنوبي للأرض، كانت مسرحًا لمجزرة إرهابية بشعة مؤخّرًا، فلم تسلم من شرّ البشر تأكيدًا لقول فصيح اليونان بيريكلاس (العام 420 قبل الميلاد) (مكرّرة): “إذا لم تكن لتهتم بالسياسة فهذا لا يعني أنّ السياسة لن تهتمّ بك!”
الحياد يعني الحياد عن التاريخ وعن الجغرافيا وعن الإقتصاد وعن الإجتماع وليس فقط عن الآخر بفصل مصالحك “التعدّدية” عن مصالح الجوار وعن مطامع ما بعد ما بعد الجوار، وعن كورونا إن أتتك (مذمّة) من “القراب” أو خُلِقَت في مختبرات “البعاد” أو إنتشرت من خلال “أهواء” العالم “الحرّ”. والحياد يعني ألّا يكون لديك نفط في الأعماق، ولا غاز في الأجواء ولا بالتالي طمع في الأهواء، وألّا تكون معنيًّا بالتَغْويز ولا بالتنقيب ولا بالتسويق أو التشويق. والحياد يعني خاصّة ألّا تكون تحت إمرة السفارات.
والأمر ذاته يسري على دعاة الفَدْرَلة، المعروفة بالتقسيم سابقًا، لا.. لن يكون أيّ منها .. لا نظريًّا ولا تقنيًّا ولا بالمقارنة بالغير ولا أكيد عمليًّا.
تعالوا معنا إلى نظام إجتثاث العمالة (راجع اللائحة في (2))، نظام التحصين من الخيانة، لا مجال فيه لمجتمع “أنا هيك” المُعيب، أو “أنا كمان” المُصيب، أو “الرأي الآخر” المُريب.
لن يكون نظام “نوافق فيه بمفعول متقدّم على إعفاء العملاء من جرائم يصرّون على القيام بها” (على قول الصحافي إبراهيم الأمين).
أيّها المهزومون: سترحلون … لا بدّ، سترحلون ولو بقيتم في أرض لبنان، سترحلون وقد نضبت أموال التآمر والتحريض والتخريب في العالم بفعل الحَكَم كورونا. سترحلون حُكمًا من الذاكرة الوطنية ولم تدخلوا يومًا إلى وجدان الأمّة. سترحلون مهما “إرتفعت” مناصبكم، مهما تضخّمت مكاسبكم. سترحلون منبوذين من أهل العزّة ملعونين من أصحاب الحقّ مُدانين من أبطال الكرامة.
تعالوا إلى عصر قد سوّى فيما بين القارة العجوز والقارات الشابة، بين العالم الأول والعالم الآخر. عصر محا الفوارق فيما بين الليبيرإلي الفالت والمُوَجَّه المنضبط والمحتار بينَ بين. وقد أصبح لكورونا آلاف الملايين من المتابعين لها ومن المتأثّرين بأفعالها يوميًّا، وقد ألغت متابعي الدجّالين من السياسيّين والإعلاميّين والمشاهير والمحترفين، المصيبين منهم بعضًا من الوقت والكذّابين التافهين منهم في كلّ وقت، وليس أخيرًا، بل في مقدّمهم التافهين الفارهين البُلَهاء المسافرين دائمًا في عالمهم “الخاص” المُبْحرين بعيدًا في غيّهم وغيرتهم والغارقين أبدًا في حقدهم.
تعالوا الى لبنان جديد قيد إعادة البناء، شاءَ مَنْ شاء، تعالوا نحرّركم من عقدكم المقيتة وعُلَلكم المميتة، وكلّ تحرير وأنتم أسياد.
(*) لتفسير أسباب النزعة إلى الإنزياح عن فائق الإنضباط الكلامي راجع مقالتي بعنوان “عن شعار مَقْتَل الرجل بين فكّيه”.
(1) سليم حيدر : قصيدة “لولاك زين العابدين” – ديوان “أشجان” – شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ش.م.ل.- 2016.
(2) نظام إجتثاث العمالة ومنع الخيانة في نصوص كلّ من، ومن دون حصر: الدستور، القوانين، المراسيم، الأنظمة، المناهج والبرامج التعليمية والدراسية، التوجيهات والتعليمات الإدارية والإرشادية من كلّ نوع ولكلّ هدف وجهة وغاية، في القضاء والأسلاك الأمنية والعسكرية، في النقابات والقطاعات كافّة، في الثقافة والرياضة والأندية والجمعيات، في الترفيه والإعلام والإعلان وفي وسائل التواصل من كلّ نوع، وفي كلّ مجالات الحياة.